قد يكون التحالف بين "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" من التحالفات القليلة، على امتداد الوطن، التي مزجت على أبواب الانتخابات النيابية، بين ما هو سياسيّ وما هو انتخابيّ، في ظلّ موجة التحالفات الظرفيّة المصلحيّة غير المفهومة التي طغت على ما عداها، بذريعة أنّ طبيعة القانون الانتخابيّ النسبيّ مع الصوت التفضيليّ تفرضها.
إلا أنّ هذا التحالف السياسي-الانتخابيّ تعرّض خلال الأيام الماضية لـ"انتكاسة" تفتح الباب أمام كثير من علامات الاستفهام، انتكاسة يعبّر عنها "الاشتراكيون" بوضوح، هم الذين يتحدّثون صراحةً عن "غدرٍ" تعرّضوا له من التيار "الأزرق" يذهبون لحدّ وضعه في إطار سياسة "محاصرة" رئيسهم النائب وليد جنبلاط، ما يعكس "أزمة ثقة" جدية بين الجانبين، قد تترجم سلباً في الاستحقاق الانتخابي...
"الحق عالتيار"؟!
بصراحته المعهودة، قالها رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط: "رئيس الحكومة سعد الحريري خذلني". لامتعاض جنبلاط من الحريري سببٌ مباشرٌ، بيد أنّه يخفي وراءه توجّساً حقيقياً لدى "البيك" من محاولاتٍ لحصاره تمهيداً لإقصائه، وهي محاولاتٌ يعتقد أنّها ليست جديدة، ولكنّها تتّخذ أبعاداً خطيرة، في ضوء ما لا يعتبره تحالفاً بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، بقدر ما يعتبره خضوعاً من الحريري لوزير الخارجية جبران باسيل.
أما السبب المباشر للامتعاض، فمرتبطٌ بالانتخابات النيابية، وتحديداً باللائحة التي يخوض الانتخابات على أساسها كلٌ من "المستقبل" و"الاشتراكي"، متحالفَين، في البقاع الغربي. كان من المفترض أن يكون لجنبلاط مرشحان على هذه اللائحة هما النائبان وائل أبو فاعور وأنطوان سعد، فإذا باللائحة التي قُدّمت لوزارة الداخلية تستبدل اسم الأخير باسم مرشح آخر هو غسان السكاف. هكذا، أقصي أنطوان سعد في اللحظة الأخيرة، أمرٌ لم يهضمه جنبلاط، بل اعتبره محاولة فرض أمر واقع عليه، ويبدو أنّه ترك ندوباً على العلاقة مع الحريري، قد تنعكس على مقاربة الانتخابات بين الحليفين، ما بدأ بالظهور من خلال الإطلالات الإعلامية للنائب المرشح أبو فاعور، الذي وبدل التصويب على خصومه في اللوائح المنافسة، يصوّب على حلفائه في اللائحة.
وفي وقتٍ يلوذ "المستقبل" بالصمت على الاتهامات "الاشتراكية"، وتفضّل أوساطه حلّ "الإشكال" مع جنبلاط في الغرف الضيّقة، على اعتبار أنّ الخلافات بين الحلفاء لا يفترض أن تُناقَش في الإعلام في زمن الانتخابات، بدا واضحاً أنّ "البيك" يحمّل المسؤولية الأساسية في ما حصل إلى "التيار الوطني الحر"، على اعتبار أنّ الأخير هو الذي طلب من "المستقبل" فعل ما فعل، للانتقام منه على إقصائه عن تحالفاته، ولو كان الأخير يقول في العلن إنّه من رفض التحالف مع "الاشتراكي" وليس العكس، علماً أنّ الأخير هو من أحزابٍ نادرة لم يتحالف معها "التيار"، الذي شملت مروحة تحالفاته في كلّ لبنان، كلّ القوى السياسية تقريباً، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مع بعض الاستثناءات المحدودة.
مخاوف بالجملة
"الاشتراكي" يعتقد إذاً أنّ "الوطني الحر" هو الذي يسعى ليخربعلاقته مع "المستقبل"، وهو يضع انطلاقاً من ذلك ما حصل معه في البقاع الغربي في سياق معركته السياسيّة والانتخابيّة مع "التيّار"، معركة لم ينجح اللقاء الأخير الذي جمع جنبلاط وباسيل قبل أسابيع، والذي انتهى يومها بانطباعاتٍ إيجابيّة روّج لها الجانبان عبر الإعلام، في التخفيف من وقعها، أو على الأقلّ في إرساء "كيمياء" ما بين الرجلين، لحلّ الصراعات القديمة الجديدة بينهما.
وإذا كان أكثر ما يزعج جنبلاط في مقاربة "التيّار" الانتخابية، خصوصاً في الجبل، حيث مناطق ثقل "البيك"، هو اعتماده في خطابه وأدبيّاته على المنطق الطائفي، بما يضرب مصالحة الجبل بشكلٍ أو بآخر، التي يذهب بعض "العونيين" إلى حدّ المجاهرة بأنّها لم تكتمل، للعب على الغرائز والعواطف بما قد يعطيهم بعض الأصوات التفضيلية من هنا أو هنالك، فإنّ الأكيد أنّ توجّسه من التفاهم بين "المستقبل" و"الوطني الحر" ليس وليد اللحظة الانتخابيّة، بل هو سابقٌ لها. وثمّة من يقول إنّ "البيك" لم يبدِ ارتياحه للتفاهم منذ اليوم الأول، وقبل الولوج إلى المرحلة الانتخابية، خصوصاً أنّ هذا التفاهم نقله من موقع "بيضة القبان" في المجلس النيابي إلى موقعٍ آخر، جعل كتلته النيابية مجرّد كتلةٍ ثانوية في البرلمان، شأنها شأن غيرها من الكتل، التي لا سلطة ولا قوة تقريرية لديها.
ولا يبدو إدخال جنبلاط لرئيس المجلس النيابي نبيه بري على خط السجال الدائر مع "المستقبل" ومن خلفه "الوطني الحر"، والقول إنّه بدوره "مستهدَف" من ثنائية الحريري – باسيل، بريئاً هو الآخر، على الرغم من تطمينات الحريري الذي يصرّ على نفي كلّ ما يُحكى في هذا الإطار، فـ"البيك" يريد أن يقول بشكلٍ أو بآخر بأنّ الحريري "مسيَّرٌ وليس مخيّراً" من قبل باسيل، وبالتالي فإنّ كلّ السيناريوهات تبقى واردة، الآن وبعد الانتخابات، حتى إثبات العكس. ولعلّ جنبلاط يغمز في هذه النقطة من زاوية ما يُحكى عن "ضمانات" حصل عليها "الشيخ سعد" من "التيار" بالبقاء في سدّة رئاسة الحكومة على امتداد "العهد القوي" طالما أنّ العماد ميشال عون في سدّة الرئاسة، وهو ما يريده الحريري عملياً أكثر من مقعدٍ نيابي بالزائد أو الناقص، إلا أنّ لذلك "ثمناً" يبدو برأي "الاشتراكي" أنّ مؤشراته الأولى بدأت بالظهور، وهي لا تبشّر بالخير بأيّ شكلٍ من الأشكال.
"غيمة صيف"؟!
أياً كان حجم ما حصل في البقاع الغربي، بين الحليفين السياسيين والانتخابيين في الدائرة وغيرها، أي "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، فإنّ أحداً لا يستطيع أن ينكر أنّ "أزمة ثقة" بين الجانبين وُلِدت، لن تكفي تطمينات الحريري لتبديدها، طالما أنّ الممارسات العمليّة تؤكّد العكس.
قد يقول قائل إنّ ما يحصل بين الجانبين عبارة عن "غيمة صيف" وستمرّ، وستعود العلاقة بين الجانبين إلى سابق عهدها، هي التي مرّت بمطبّات أخطر في الأشهر القليلة الماضية، إلا أنّ الأكيد أنّ عدم الارتياح "الجنبلاطي" للعلاقة بين الحريري وباسيل، والذي يولّد تراكماتٍ سلبيّة بالجملة على غير صعيد، هو الذي سيدوم، وهنا بيت القصيد الأساسيّ...