من الطبيعي ونحن على مسافة 32 يوماً من موعد إجراء الانتخابات النيابية، ان يرتفع منسوب الخطاب السياسي في إطار العمل المشروع في شخذ الهمم، وشد عصب الناخبين، لكن ما هو مستهجن ما نشاهده يومياً من حروب كلامية واتهامات متبادلة وصلت إلى حدّ وضع اليد على القلب من ان يتحوّل هذا الاسلوب إلى احتقان في الشارع نعود معه إلى آتون التصادم وانفلات الوضع الأمني من عقاله، علماً ان اللوائح التي تضم مرشحين من لون سياسي واحد هي قليلة، حيث ان غالبية اللوائح جمعت الأضداد تحت لوائح المصالح المتبادلة البعيدة كل البعد عن البرامج الموحدة ناهيك عن ان فرض القانون الجديد على أي مرشّح الانضواء في لائحة حتّم على المرشحين اعداد لوائح من ألوان سياسية مختلفة، وهذا الواقع ربما يُساعد على عدم تفاقم الأمور والحؤول دون التصادم في بعض الدوائر.
ومن المتوقع ان تتجه المناخات السياسية إلى السخونة مع بداية الأسبوع المقبل أي بعد انتهاء مؤتمر «سيدر-1» وعودة الوفد اللبناني المشارك في هذا المؤتمر من العاصمة الفرنسية باريس، حيث سيكون لعدد من رؤساء اللوائح صولات وجولات في الكثير من المناطق ومن المؤكد ان الكلمات التي ستلقى امام الحشود الجماهيرية ستتضمن مفردات سياسية تعبر عن الواقع السياسي غير الصحي الذي يعيشه لبنان منذ عدّة سنوات، كون ان جميع المرشحين يُدركون بأن السادس من أيّار لن يكون نزهة وأن الصوت الواحد سيكون له مفعوله على مستوى اللائحة والصوت التفضيلي على وجه الخصوص.
صحيح ان الانتخابات المقبلة لم يلج لبنان مثيلاً لها قبل ولا بعد اتفاق الطائف، حيث ان اللبنانيين تعودوا في الانتخابات على معرفة غالبية الذين سيحالفهم الحظ في الدخول إلى البرلمان وذلك ربما نتيجة المحادل التي كانت تتحكم بغالبية الدوائر الانتخابية، لكن هذه المرة فإن الغموض يكتنف هذه النتائج، ويذهب بعض المتابعين لمسار ما يجري من تحضير لهذه الانتخابات إلى القول ان غالبية رؤساء اللوائح هم أنفسهم لا يستطيعون التكهن بما ستؤدي إليه عمليات الاقتراع من النتائج، فالتنافس لن يقتصر على اللوائح في ما بينها، فهذا التنافس ايضا سيكون ضمن اللائحة الواحدة والسبب في ذلك الصوت التفضيلي، إذ وبحكم الغريزة سيقوم كل مرشّح إلى سحب البساط إلى ناحيته في هذا الخصوص كون ان الصوت التفضيلي سيلعب دوراً اساسياً في إيصال المرشحين إلى الندوة البرلمانية.
وانطلاقاً من هذا الواقع الذي يحتمه القانون الجديد للانتخابات فإننا سنشاهد اختلاط الحابل بالنابل داخل اللائحة الواحدة، وإن هذا المناخ الذي لم يألفه لبنان من قبل سيؤدي إلى حصول الكثير من المفاجآت والاختراقات غير المحسوبة عند فتح صناديق الاقتراع، وهو ما يعني ان الخارطة النيابية ربما تكون مختلفة عن تلك التي يرسمها من يعتبرون أنفسهم خبراء في علم الانتخابات في لبنان.
وفي تقدير هؤلاء ان أهم ما ستسفر عنه هذه الانتخابات عدا النتائج، هي أزمة الثقة التي ستنشأ بين العديد من المكونات السياسية على خلفية التحالفات وإعداد اللوائح حيث انه في غالب الأحيان كان اتفاق الليل يمحوه النهار، والعكس في ما خص التحالفات واللوائح التي وبنتيجة ذلك جاءت في بعض الإمكان أشبه بقوس قزح كونها ضمّت مرشحين من تلاوين سياسية مختلفة، هذا عدا عن نجاح تحالفات بين أفرقاء في دوائر معينة وفراقهم في دوائر أخرى وهو ما يعطي هذه الانتخابات طابع المصالح لا أكثر ولا أقل، وهذا يُشير إلى ان مرحلة ما بعد الانتخابات ستكون حافلة بعملية شد الحبال غير المسبوق وهو ما يجعل مسألة تأليف الحكومة الجديدة غامضة، كون أن دف العديد من المنضوين في لوائح سيفخت بعد إعلان النتائج وسرعان ما سيتفرق العشاق ويلتحق من سيلحق بكتل نيابية ربما لا تكون منسجمة سياسياً مع الكتل التي انبثقت عن اللائحة التي كان في عدادها.
وفي تقدير المتابعين لمسار هذه الانتخابات ان «حليمة ستعود إلى عادتها القديمة»، وربما بضراوة أكثر بعد الانتخابات على مستوى التجاذبات السياسية والكباش السياسي، وهذه المرة لن يكون هناك 8 و14 آذار، ولذلك، ربما نكون امام تسميات جديدة تنشأ وفق الظروف السياسية محلياً واقليمياً.
ويختم هؤلاء بالقول: إن المؤتمرات الدولية على شتى الصعد دليل على حرص في إبقاء المظلة الدولية والإقليمية حامية لإستقرار لبنان ومن المعيب ان يثقب اللبنانيون بأنفسهم هذه المظلة، لأن أي سلوك من هذا النوع سيُدخل لبنان في دوّامة الخروج منها لن يكون بالأمر السهل.