ها هي غوطة دمشق الشرقية تعود إلى سلطة الدولة السورية، بعد خروج قسري عنها دام نحو ستة أعوام، على أثراختطافها على يد المجموعات "الوهابية" المسلَّحة المدعومة من دول الخليج.. "الغوطة" التي كانت أشبه بسكين في خاصرة العاصمة دمشق، اقتلعها الجيش السوري واقتلع معها اليد التي كانت تُمسك بها، وأعاد الأمن والأمان للدمشقيين الذين كانوا عرضةً دائمةً لقذائف الإرهاب، خصوصاً قبل انعقاد أي مفاوضات بين ممثلين عن الحكومة و "المعارضة"، كلقاءات جنيف، وأستانة، وسوتشي.
والسؤال الذي يُطرح بعد استعادة "الغوطة": لماذا تأخر هذا الإنجاز الميداني حتى اليوم؟ ولماذا اختار الجيش السوري هذا التوقيت للإجهاز على البؤر الإرهابية المنتشرة في شرق العاصمة، والتي روّعت الآمنين على مدى نصف عقد ونيف؟
أولاً: السبب الاستراتيجي: لقد فشل المسلحون في مهتهم الأساسية، وهي محاصرة دمشق، من خلال محاولة وصل الغوطتين الشرقية والغربية، وكانت آنذاك حوران قاعدة الإمدادين البشري واللوجستي للمهاجمين.
ولهذه الغاية، حاولت المجموعات المسلحة وصل منطقة داريا بالجوار، وكانت أبرز هذه المحاولات في العام 2014، يوم تصدى لها حزب الله، وأوقع خسائر كبيرة في صفوف المسلحين.
كذلك حاولوا الاستيلاء على الطريق الدولي الذي يربط دمشق ببيروت، وكان الفشل حليفهم أيضاً. من هنا يُفهم سبباستمرار الغطاء السياسي الخليجي، تحديداً السعودي – القطري للمجموعات التكفيرية في جرود عرسال ورأس بعلبك، التي كانت منوطة بتقديم الدعم لنظرائهم المكلفين من رعاتهم الإقليميين بمحاصرة العاصمة السورية من جهة الغرب.
وفي العام 2015، تدخلت القوات الجوية الروسية في سورية، وقدمت الدعم للجيش في حربه على الإرهاب، فتغيرت مجريات الواقع الميداني، ومالت الدفة لمصلحة هذا الجيش، وبذلك سقط حلم الدول الشريكة في الحرب على الجارة الأقرب بتطويق عاصمتها، وفقد بذلك المسلحون وظيفتهم،فأصبحوا خارج قواعد الاستخدام، ماخلا تكليفهم باستهداف الأحياء الدمشقية، بحسب توقيت داعميهم، فباتوا عبئاً على مملويهم، ثم تُركوا ليلاقوا مصيرهم بأنفسهم، وتخلى عنهم رعاتهم كما حدث مؤخراً.
وكانت آخر محاولات المسلحين للهجوم على دمشق في آذار 2017، يوم تسلل مسلحو "جبهة النصرة" و"فيلق الرحمن" من جوبر نحو كراجات العباسيين، وتمكنت القوات السورية من صد الهجوم أيضاً.
ثانياً:السببالتنظيمي: أسهم في تشتّت مسلحي "الغوطة"، وهو قتل زعيم "جيش الإسلام" زهران علوش في كانون الأول 2015، ليخلفه عصام البويضاني، وهو بائع خضار غير مؤهّل لقيادة المسلحين.
ثالثاً:يُعدّ السبب المباشر الذي دفع القوات السورية وحلفاءها للتقدُّم نحو الغوطة، وهو محاولة "جيش الإسلام" عرقلة مؤتمر سوتشي للمصالحة السورية، والذي نظمته ورعته وزارة الدفاع الروسية، أضف إلى ذلك إقدام المسلحين على استهداف مطار دمشق الدولي، بعدما دخل بعضهم، لاسيما "فيلق الرحمن" في مفاوضات مع الجانب الروسي، ترمي إلى إخراجهم من "الغوطة"، أو تسوية أوضاع بعضهم إذا أمكن ذلك، فانقلبوا على الاتفاق.
أما أبرز نتائج استعادة الغوطة،فيتمثلبخروج دول الخليج، وفي مقدمها السعودية وقطر، من سورية، وبالتالي إزالة عراقيل كبيرة أمام عمليات التفاوض الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية لإنهاء الأزمة الراهنة.
أما من الناحية الميدانية: فستكون لها تداعيات على ما تبقّى من الجيوب المسلحة الخارجة على سلطة الدولة السورية، ما سيؤدي حُكماًإلى انهيارها في شكل دراماتيكي، وتسريع عقد المصالحات وتسويةأوضاع الذين تورّطوا بحمل السلاح، ويرغبون بالعودة إلى كنف الدولة، كذلك الأمر في شأن بعض البؤر المسلحة في محافظة دير الزور في شرق البلاد، ما خلا بعضها التابع مباشرةً للاحتلال الأميركي.