بعد الاجتماعات بين بوتين وأردوغان، والتي غلب عليها الطابع الاقتصادي وتطوير التعاون في مجالات الطاقة والاقتصاد والتسلُّح بين موسكو وأنقرة، يجتمع رؤساء كل من روسيا وتركيا وإيران في أنقرة، لبحث تسوية الأزمة السورية، ومسار الحل السياسي الذي يؤكد على وحدة الأراضي السورية، ومحاربة الإرهاب، وفي هذا تأكيد على أن الدول الضامنة لأستانة هي من ستحدد وجهة الحل السياسي المستقبلي، بالتعاون مع الدولة السورية، وإن كانت ستأخذ بعين الاعتبار مصالح الأميركيين، وهذا أكيد.
وتأتي القمم المتتالية بين الرؤساء على وقع انتصارات متتالية للجيش السوري، خصوصاً في الغوطة الشرقية، التي استفاد منها المجتمعون في أنقرة، وأكدوا أن التنسيق بينهم الذي انطلق من أستانة قد أفادهم كما أفاد الدولة السورية التي تتجه إلى تحرير تدريجي للأراضي السورية التي كان يسيطر عليها الإرهابيون.
ومع الحسم في الغوطة، ومسار المفاوضات التي أخرجت المسلحين من هناك، نجد أنه لم تكن دمشق هي المستفيد الوحيد من تحرير الغوطة، بل هناك رابحون وخاسرون، وإن بنسبٍ متفاوتة، وذلك عل الشكل الآتي:
أولاً: الخاسرون:
أ- تبدو الخاسر الأكبر هي السعودية، فمع التسوية التي حصلت في دوما، والاتجاه إلى تسوية مماثلة في القلمون الشرقي، تخسر السعودية أوراق قوة كانت تمتلكها للتأثير على مسار الحل السياسي في سورية. خرج "جيش الإسلام" المدعوم من السعودية من دوما إلى عباءة الأتراك، الذين قرروا وضعهم في جرابلس وذلك لأسباب عدة، قد يكون أبرزها: عدم وجود بيئة حاضنة لهؤلاء، بسبب وجود أكثرية تركمانية في تلك المنطقة، وقربهم من الحدود التركية، مما يجعل السيطرة عليهم أسهل في حال قرروا التمرُّد، بالإضافة إلى زجّهم في معركة منبج في حال قرر الأتراك السيطرة عليها وطرد الأكراد منها.
الخسارة السعودية عبّر عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باعترافه بأن الأسد باقٍ في السلطة، لكنه يتمنى ألا يسقط كلياً في اليد الإيرانية.
ب- قوى التحالف الدولي التي كانت تحاول منع الحسم في الغوطة بأي ثمن، لذا شهدنا محاولات متكررة لتلفيق أدلة استعمال السلاح الكيماوي، بالإضافة إلى تهديد سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، باستخدام القوة لمنع الجيش السوري من تحرير الغوطة في حال لم يقم مجلس الأمن بذلك، والذي قابله ردٌّ روسي عنيف هدّد باستعمال القوة في حال تنفيذ التهديد.
لقد خسر التحالف الدولي حليفاً قوياً في الداخل السوري، إذ لطالما أدّى وجود المسلحين في الغوطة إلى تهديد دمشق بشكل دائم، وقد تمّت محاولات عدّة للوصول إلى دمشق وإسقاطها عسكرياً عبر استخدام الجبهة الجنوبية، لكنها جميعها باءت بالفشل، ومؤخراً كان المسلحون يعوّلون على دعم يأتي من التنف التي يسيطر عليها الأميركيون، لكن الدعم لم يأتِ، والحشود العسكرية والضربات الجوية الأميركية التي هوّل الإعلام بها لم تحصل.
ثانياً: أما الرابحون فيمكن الإشارة إلى:
أ- تركيا التي استفادت من انشغال الجيش السوري وحلفائه في معارك الغوطة لتسيطر على عفرين، وهي التي سهّلت حصول الاتفاقيات مع كل من "أحرار الشام" و"فيلق الرحمن"، الذين تمّ نقلهم إلى إدلب، كما تخلّص الأتراك من منافسة السعودية على رعاية المسلحين في الداخل السوري.
وهكذا، وبعد فشل الجبهة الجنوبية مراراً في تحقيق اختراق عسكري يقلب موازين القوى لصالحهم، لم يبقَ للأميركيين سوى الأتراك والأكراد، لتحقيق مصالحهم في سورية، وبات من الأسهل لأردوغان الضغط على حلفائه في حلف شمال الأطلسي للتخلي عن الورقة الكردية لصالحه.
ب- أما الرابح الأكبر فهو الدولة السورية والشعب السوري، فبتحرير الغوطة تتحرر دمشق من التهديد المباشر والقذائف اليومية، بالإضافة إلى أن درس الغوطة سيكون ماثلاً أمام المسلحين في أنحاء سورية كافة، خصوصاً أولئك المحاصَرين في الداخل؛ أي في القلمون الشرقي والضمير وأرياف حمص وحماه وغيرها، ناهيك عن أن انهيار جبهات المسلحين الواحدة تلو الأخرى سيسمح للجيش السوري وحلفائه بالتفرُّغ للمعارك الأكبر؛ أي المعارك الحدودية مع الأردن ومع تركيا، والتي سيبدأ معها مسار الحل السياسي الفعلي للأزمة السورية.