أحييكم اليوم بتحية القيامة، لا لأني أتبع التقويم الشرقي بل لأن الزمن الفصحي كله فرح وقيامة. لا بل حياتنا كلها فرح بالمسيح المنتصر على الخطيئة.
لكنه مع الأسف فرح ناقص بسبب الخطيئة الأكبر التي لا يريد أن يتراجع عنا البشر، خطيئة الانقسام.
خطيئة الانقسام هذه هي سبب هجرة آدم من الفردوس، لأنه أراد أن ينقسم عن الله، أن يترك الله ليعيش مستقلا، محددا بنفسه ما هو الخير والشر، وآكلا وشاربا من حيث لا يجب، معاكسا إرادة الله.
وخطيئة الانقسام هي التي تودي بالبشر إلى الحروب والصراعات. تراهم ينقسمون أحزابا وطوائف وفئات فتعتقد كل فئة أن الحق كله معها ومن حقها إلغاء الآخر كونه بلا حق، فتسود شريعة الغاب حيث القوي يأكل الضعيف، ويا ما أفضل شريعة الغاب أمام شرائع البشر المنقسمين!.
وخطيئة الانقسام هي عينها تودي بالبعض ممن ينقسمون على ذواتهم من الداخل، إلى الانتحار!.
خطيئة الانقسام التي من أجلها تألم المسيح ومات وقام، ما زالت تختطف البشر إلى وادي الأحزان والآلام والشقاء... ويستمر أسبوع ألآم المسيح!.
ولعل من أبشع مظاهر هذه الخطيئة هو الانقسام المستمر في الكنيسة حول تاريخ الفصح. نعم المسيح قام لكن ما زال الانقسام قائما أيضا!.
وعندما قلت له ذات يوم معيدا والفرح يملأ كياني:
- المسيح قام!
أجابني:
- وسيقوم، أجابني بحزن يعتلي محيّاه.
ومنذ ذلك الحين أصبحت محتاراً بأمري، أأقول المسيح قام! أم المسيح قام؟ (مع نقطة استفهام).
نعم كلنا يعرف أن هذا اختلاف في تحديد يوم الاحتفال، يعود إلى أخطاء حسابية متعلقة بالقمر... ليس اختلافا في موضوع العيد ولا في حقيقة القيامة. فهو العيد الكبير، وفصح الرب وموسم المواسم، وذكرى الخلاص من الموت والخطيئة.
لكنه مؤسف حقاً أن يعيّد مسيحيون في 1 نيسان ثم يعيّد أخوان لهم في 8 منه! أو يعيدون في 27 آذار فيما يعيد آخرون في 1 أيار، أي بعد 35 يوماً!.
ومؤسف حقاً ألاً يصل المسيحيون أقلّه إلى توحيد موعد الاحتفال.
منذ ألفي عام صلّى السيد المسيح "ليكونوا بأجمعهم واحداً". مات المسيح وقام غالباً الموت، وصعد إلى السماء، ولم يستطع المسيحيون بعد تحقيق وحدتهم.
أإلى هذا الحد صعب علينا توحيد العيد؟ ألا يمكن حقاً الاتفاق على يوم كأن يكون الأحد الثاني أو الثالث من نيسان، أو أي موعد؟.
وعندما حمّلنا المسؤولين الروحيين مسؤولية الانقسام، ورجوناهم أن يوحدوا العيد، قامت يومها علينا القيامة. وكأن موعد القيامة لن يتوحد ما لم تقم القيامة.
عجيب أمر هذه الوحدة، ومن سيوحد العيد؟ كلنا يتمنّاها ويريدها، ومن الذي سيحققها؟
الشعب. نعم، الشعب المسيحي قادر على صناعتها. المهم ألاّ يتعود الناس على قبول هذا الواقع فتموت في نفوسهم قيمة الوحدة وأهميتها. أيها المسيحيون الانقسام خطيئة فاعترفوا بها كل يوم. والعيد بتاريخين فضيحة فجاهروا بها، واستنزلوا عليها اللعنات.
أيها المسيحيون هيجوا العواصف بوجه بعض القوانين البالية، وارفعوا الوحدة شعاراً، كسّروا جدران التقسيم والفصل والتشرذم...
ليس صعباً على من ينتصر للحرية أن ينتصر للوحدة. ففي الوحدة استمرارية الحرية. فيها قوة للكنيسة من الداخل، وشهادة مقدسة إلى الخارج.
وكم نتمنى أن يصار إلى الاتفاق على يوم يعيّد فيه المسيحيون على اختلاف مذاهبهم لهذا الحدث العظيم الذي صنع سمو ديانتهم.
وعلى أمل أن نقول يوماً المسيح قام، فيردد العالم بأسره: حقاً قام!.
وعلى أمل أن يبدأ هذا اليوم مع الفصح القادم، فتتبارك جهود العاملين من أجل الاتحاد.
المسيح قام! ولن يبقى انقسام!.
*رئيس دير روما للرهبان المخلصيّين