بعد شهر من تاريخ اليوم ستتنافس 77 لائحة موزّعة على 15 دائرة وتضمّ أقل من 600 مرشّح، على 128 مقعدًا نيابيًا، علمًا أنّ المجلس الجديد الذي سيُنتخب يُفترض أن يدير اللعبة التشريعيّة في لبنان حتى أيّار من العام 2022، مع الإشارة إلى أنّ ولاية رئيس الجُمهورية الحالي العماد ميشال عون تنتهي في خريف العام 2022، أي بعد أشهر قليلة من إنتهاء ولاية المجلس المُنتخب (1).فكيف هي التوقعات بشأن التوجّه السياسي العريض لمجلس النوّاب الذي سيحكم لبنان على مدى أربع سنوات (ما لم يحصل تمديد جديد)؟.
"تيّار المُستقبل" كان يقود كتلة "لبنان أوّلاً" التي تضم 39 نائبًا، سيخسر نوّابًا كانون محسوبين عليه في دوائر "بيروت الأولى" وزحلة،و"طرابلس–المنيه–الضنية"، وهو سيتعرّض للخرق بشكل حتمي في دوائر "بيروت الثانية"، و"البقاع الغربي–راشيا"، وعكار. في المُقابل قد يخرق في "بعلبك الهرمل" وقد يعوّض في جزين خسارته المُرجّحة في صيدا. والحصيلة ستكون تراجع كتلته النيابيّة العريضة بشكل كبير بحيث من المرجّح أن تكون بحدود 25 نائبًا.
"الثنائي الشيعي" كان يضم 27 نائبًا من بينهم نواب حلفاء كانوا يصلون إلى الندوة البرلمانية بأصوات شيعيّة، ومنهم نوّاب أحزاب البعث و"القومي السوري الإجتماعي" والتضامن و"جبهة العمل الإسلامي" وغيرهم. وفي حين تبدو إحتمالات تعرّضه للخرق جزئيّة في "بعلبك–الهرمل" و"بنت جبيل–حاصبيا–مرجعيون–النبطيّة"، وضعيفة في "صور–الزهراني"، سيسعى "الثنائي الشيعي" إلى رفع حصصه النيابيّة في دوائر عدّة كان غائبًا عنها كليًا أو كان يتواجد فيها بشكل ضعيف عبر عدد محدود جدًا من الحلفاء، مثل "بيروت الثانية"، و"الشوف–عاليه" و"البقاع الغربي–راشيا"، وزحلة، و"صيدا–جزين" حيث يتطلّع "الثنائي الشيعي" لأن يخرق لوائح الخُصوم عبر قوى وشخصيّات حليفة محسوبة على "8 آذار"، علمًا أنّ مصير المقعد الشيعي في دائرة "كسروان-جبيل" ضبابي، وهو يتوقّف على النتيجة التي ستحقّقها اللائحة المدعومة من "الثنائي". وبشكل عام، لا تغيير كبير مُرتقب في حصّة كل "حزب الله" و"حركة أمل" النيابية، حيث أنّ المسألة ستتراوح بين نائب أو نائبين بالزائد أو بالناقص.
"التيّار الوطني الحُرّ" الذي كانت كتلته الخاصة من دون الحلفاء تضم 19 نائبًا، سيتعرّض حتمًا إلى خروقات كبيرة في دوائر كان يُسيطر عليها كليًا مثل "كسروان–جبيل" (صارا دائرة واحدة مُجدّدًا) وبعبدا وجزين (صارت حاليًا مُدمجة مع صيدا)، أو جزئيًا مثل المتن. وفي المُقابل، يتطلّع "الوطني الحُرّ" إلى الدُخول إلى دوائر لم يكن متواجدًا فيها بعد إنتخابات 2009، مثل "بيروت الأولى" و"الشوف–عاليه" و"بشري–الكورة – البترون–زغرتا" وعكار وزحلة. وتُوجد آمال لأن يتمثّل "التيار الوطني الحُرّ" أيضًا في "بيروت الثانية" و"مرجعيون –حاصبيا–بنت جبيل–النبطيّة" وربما في غيرها من الدوائر أيضًا. وبالتالي يأمل "التيّار" أنّ يُعوّض في بعض الدوائر الإنتخابية ما سيخسره في الدوائر التي كان يُسيطر عليها بفعل القانون الأكثري السابق، بحيث تبقى حصّته النيابية من دون تغيير يُذكر، أي بحدود 20 نائبًا تقريبًا. حتى أنّ "التيّار" يتطلع إلى رفع عدد كتلته النيابية إلى أكثر من ذلك، عبر نوّاب "حُلفاء"، كما فعل في العام 2009 عندما كان "تكتّل التغيير والإصلاح" يضمّ أقلّ بقليل من 30 نائبًا(2)،لكن لا يُمكن التعويل على ولاء أي نائب حزبي من خارج "التيّار" حيث أنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ الخروج من هذا النوع من التحالفات هو مسألة وقت فقط.
"الحزب التقدمي الإشتراكي" الذي كان يُشكّل العمود الفقري لكتلة نيابية كبيرة بإسم "اللقاء الديمقراطي" يتطلّع للفوز بلائحة لا يقلّ عدد نوابها عن 10 نوّاب، للإحتفاظ بتأثيره السياسي في اللعبة الداخليّة، خاصة وأنّ "القانون النسبي" لا يصبّ إطلاقًا في صالح الأقليّات العدديّة، مثل الطائفة الدرزيّة.
حزب "القوات اللبنانيّة" الذيخرج في إنتخابات العام 2009 بمجموع 8 نوّاب يتطلّع بدوره إلى زيادة حصّته بشكل واضح عبر الدخول إلى دوائر لم يكن مُمثّلاً فيها في الإنتخابات السابقة، مثل "كسروان–جبيل" والمتن وبعبدا و"بيروت الأولى" وربما عكار و"بعلبك الهرمل" مع إحتمال أقلّ لإختراق دائرة "صيدا–جزين". وتَعمل "القوات" على الإحتفاظ بمقاعدها في "البترون–بشري–الكورة–زغرتا"، وعلى رفع حصتها في "الشوف – عاليه"، علمًا أنّ الخشية الأكبر لحزب "القوات" هي في خسارة جزء من مقاعدها الثلاثة في زحلة. وفي مُطلق الأحوال، لن تقلّ الكتلة "القوّاتيّة" عن 10 نوّاب بالحد الأدنى، علمًا أنّ"القوّات" تطمح لتشكيل كتلة أكبر من الرقم المذكور بنحو 50 %.
وبمُوازاة النتائج المُرتقبة للأحزاب الستة الأساسيّة المذكورة أعلاه، والتي لن تقلّ عن 90 نائبًا من أصل 128 نائبًا، تتطلّع العديد من الأحزاب الأخرى للتمثّل في السُلطة التشريعيّة بشكل فاعل، وأبرزها كل من "الكتائب" و"المردة" و"الطاشناق" و"القومي السوري الإجتماعي" و"الجماعة الإسلاميّة"، وبنسبة أقلّ كل من أحزاب "الديمقراطي اللبناني" و"الأحباش" والتوحيد" و"التنظيم الناصري" و"الحزب الشيوعي" و"اليسار الديمقراطي" و"الهانشاك" و"الرامغفار" و"حركة الإستقلال"، إلخ. لكن كل هذه الأحزاب ستتنافس عمليًا مع شخصيّات سياسيّة مُستقلّة، وكذلك مع لوائح "المُجتمع المدني" المُتعدّدة، وذلك على أقلّ من 40 مقعدًا نيابيًا، بشكل يوحي بأنّ حصتها ستكون مُبعثرة وموزّعة بشكل حصص صغيرة. وباختصار وبعد زوال تكتّلات قوى 8 و14 آذار السابقة، لن يُمسك أي طرف سياسي بغالبية ثلثيّ عدد النوّاب، بل ستكون الأمور موزّعة على جهات عدّة، علمًا أنّ فرصة وُصول "الثنائي الشيعي" مع الأحزاب الحليفة إضافة إلى كل من "التيار الوطني الحُرّ" و"الطاشناق" إلى نصف عدد أعضاء المجلس النيابي المُقبل هي أكبر هذه المرّة ممّا كانت عليه في العام 2009، بسبب تشرذم الجهات السياسيّة المُقابلة.
وفي الختام، لا شكّ أنّ كلمة الفصل الحاسمة وغير المُرتبطة بحسابات إنتخابيّة وبدراسات إحصائية، تعود إلى صناديق الإقتراع وإلى أصوات الناخبين القادرين على قلب النتائج، بحيث إمّا تصحّ هذه التقديرات وإمّا تطغى المفاجآت على كل التحاليل التي نُشرت في الأيام والأسابيع القليلة الماضية.
(1) النوّاب الذين سيفوزون في السادس من أيّار المُقبل لن ينتخبوا مبدئيًا الرئيس الرابع عشر للبنان، بل المجلس الذي يُفترض أن يُنتخب قبل أشهر قليلة من إنتهاء ولاية الرئيس عون.
(2) مع إحتساب نوّاب أحزاب الطاشناق والمردة و"الحزب الديمقراطي اللبناني" والتضامن.