إستقبل البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، قبل ظهر اليوم في بكركي، مدير عام وزارة الموارد المائية والكهربائية الدكتور فادي قمير الذي قدم تهانيه لغبطته بمناسبة عيدي الفصح وسيدة البشارة، وكانت مناسبة عرض في خلالها لنشاط الوزارة ولأبرز المشاريع التي تنفذها.
ثم استقبل غبطته رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين الدكتور فادي الجميل الذي شدد على "اهمية القطاع الصناعي وضرورة تفعيله وتقديم الدعم اللازم له لما يخلقه من فرص عمل امام العديد من اللبنانيين ويساهم في رفع المستوى الإقتصادي للبنان."
ولفت الجميل بعد اللقاء الى انه في العام 2011 بلغت صادرات لبنان نحو 4،5 مليار دولار وهذا مستوى مميز وصل اليه القطاع الصناعي اما اليوم فلقد تدنى المستوى الى نحو 2،8 مليار دولار وذلك بسبب الحرب التي عصفت بسوريا ما ادى الى اغلاق المعابر البرية وارتفاع كلفة التصدير باستعمال وسيلة الشحن البحري. في مواجهة هذا الأمر يتوجب على الدولة اطلاق خطة طوارئ لمعالجة مشكلة الإغراق والمساعدة في الأكلاف والمطلوب منها ان تستثمر في هذا القطاع وبالتالي سيكون لاستثماراتها مردود يحافظ على فرص العمل ويفتح آفاقا جديدة امام اللبنانيين."
واكد الجميل ان"لبنان هو بلد الطاقات وليس بلد المشاكل وخير دليل على ذلك استمرارية الصناعيين في تقديم المزيد على الرغم من الظروف الإقتصادية الصعبة، لذلك يجب تفعيل طاقات الشعب اللبناني ولا سيما في مجال القطاع الصناعي لأنه بدوره ينشط باقي القطاعات. فانشاء معمل في منطقة معينة يؤمن فرص عمل لسكان المنطقة الأمر الذي يؤدي بدوره الى انشاء محلات تلبي حاجات العمال وهكذا دواليك. من هنا ضرورة واهمية ان تولي الدولة هذا القطاع اهتماما خاصا لأنه بحسب الدراسات كل وظيفة في القطاع الصناعي تؤمن وظيفتين ونصف في باقي القطاعات."
والتقى غبطته القائم بأعمال سفارة الباراغوي في لبنان اوسفالدو اديب بيطار فيسيوسو في زيارة بروتوكولية نقل في خلالها التهاني بالاعياد باسم جمهورية الباراغوي لصاحب الغبطة، بعدها استقبل غبطته وفدا من نقابة المحررين برئاسة النقيب الياس عون الذي القى كلمة قال فيها:" صاحب النيافة الكلي الطوبى. تحية المحبة من صحافيين يعتبرونكم زميلًا لهم في مهنة المتاعب مذ كنت مراسلًا لإذاعة الفاتيكان في النصف الأخير من القرن الماضي ورئيسًا للجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام وكاتب مقال في جريدة الجمهوريّة ناهيك عن الوعظ والعظات في الكنائس وإطلالتكم المستمرة في "بشرى الراعي" التي بشّرت بها وقرّبت بها القلوب واخترقت العقول بكلمات ككلمات يوحنا فم الذهب.."
ثم طرح عدد من اعضاء النقابة جملة من الأسئلة على البطريرك الراعي تمحورت حول موضوع الإنتخابات النيابية التي ستتم في شهر ايار المقبل، والقضية الفلسطينية ومسألة نقل مقر السفارة الأميركية الى القدس، القانون 46 والدرجات الست وتداعياتها على التعليم في القطاع الخاص وغيرها.
بدوره رحب غبطته بالوفد مشيرا الى الرسالة العامة السابعة التي اصدرها في 25 آذار من العام الحالي بعنوان "الحقيقة المحررة والجامعة، وثيقة لاهوتية توضيحية حول مواضيع من تعليم الكنيسة"، والتي ارادت الكنيسة من خلالها مساعدة المؤمنين على فهم المضمون اللاهوتي لتعليم الكنيسة بشكل سليم، بعيدا عن اية مغالطة."
ولفت غبطته الى ان "شرح وتوضيح تعليم الكنيسة وتفسير الكتاب المقدس الذي يتم اليوم تداوله بشكل مغلوط عبر وسائل التواصل الإجتماعي، يثير بعض الشكوك لدى المؤمنين، لذلك رأى آباء سينودس اساقفة الكنيسة البطريركية المارونية ضرورة اصدار هذه الوثيقة اللاهوتية لتذكر الإكليروس والمؤمنين والمؤمنات بمعنى مضمون الحقائق الواردة في "تعليم الكنيسة الكاثوليكية"، والطلب من جميع الكهنة والمكرسين والمكرسات والعلمانيين عدم استعمال مواقع التواصل الإجتماعي ولا وسائل الإعلام وسواها لفض نقاش لاهوتي فيما بينهم من دون استئذان اساقفتهم ورؤسائهم على ان يلتزموا بما تقرره وتعلمه السلطة التعليمية في الكنيسة، مشيرا الى القوانين التي تعاقب عليها الكنيسة في قوانينها الجزائية."
وعن موضوع الإنتخابات النيابية المقبلة أكد البطريرك الراعي ان "الكنيسة لا ولم ولن تتدخل في تزكية اسماء مرشحين من هنا او من هنالك، مشددا على ان "زيارة المرشحين الى الصرح البطريركي لا تعني اطلاقا دعم البطريرك لترشيحهم. فالبطريرك الماروني كان ولا يزال وسوف يبقى على مسافة واحدة من جميع المرشحين وما يهمه فقط هو التزامهم في حال وصولهم الى المجلس النيابي بدورهم الأساسي في التشريع والمراقبة والمحاسبة. لقد سمعنا من المشرعين كلاما عن انهم غير مقتنعين بهذا القانون، الذي قبل تطبيقه بدأت تظهر الإعتراضات عليه. نحن على مسافة واحدة من الجميع ونأمل ان يأتي المجلس الجديد بوجوه جديدة وان يكون على مستوى امال الشعب اللبناني المرهق من الظروف الإقتصادية التي يمر بها."
وفي رده على سؤال حول ما آلت اليه مسألة المدارس الخاصة ومطالبة المعلمين بدفع الدرجات الست اجاب غبطته:" لقد وضعتم الإصبع على الجرح. صدر القانون بشكل مرهق للغاية فأرهق الأهل والمدرسة والمعلمين والطلاب واوجد الشرخ فيما بينهم. هناك 1500 مدرسة خاصة في لبنان من ضمنها 300 مدرسة كاثوليكية وجهت السهام نحوها فقط، على الرغم من ان القرار طال المدارس الخاصة جميعها. تحتضن هذه المدارس نحو 700 الف طالب ماذا سيكون مصيرهم في حال اقفلت ابوابها في وجههم. في المقابل هناك 1257 مدرسة رسمية تحتضن 327 الف طالب والدولة تدعمها، هناك هدر فظيع لذلك لا يجوز الظلم. ان تحسين وضع المدرسة الرسمية على كافة المستويات هو مسؤولية الدولة وعليها ان تهتم به عندها يتمكن الطلاب من تلقي التعليم في هذه المدارس."
وتابع غبطته:"يجب على الدولة تقديم المساعدة فالأهل غير قادرين على تحمل المزيد من الأعباء والدولة عندما تشرع عليها تحمل مسؤولية التمويل فالتشريع يستوجب التمويل. والتعليم الخاص والرسمي هو منفعة عامة. واكبر استثمار للدولة هي التربية لذلك يجب دعم هذا القطاع وايجاد الحل. ومن جديد ننبه الجميع الى خطورة ان تقفل المدارس الخاصة ابوابها. يتحدثون عن هدر وفساد فيها فليحاسبوها وفقا للقانون 515/67 الذي ينص على ان الموازنات والأقساط المدرسية تقدمها الإدارة مع لجان الأهل فلتتحمل لجان الأهل مسؤوليتها ولتستعمل القانون لمحاسبة ادارة المدرسة قضائيا في حال المخالفة، فليستعملوا هذا الحق، وليظهروا الحقيقة. ولكن ان نتلاعب بمصير اجيالنا المستقبلية من الطلاب الذين يشكلون ثروة لبنان فهذه كارثة اجتماعية خطيرة جدا. بدورها ايضا فلتستعمل الدولة سلطتها وتراقب وتحاسب عند المخالفة."
وعن القضية الفلسطينية وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية الى القدس، شدد غبطته على "موقف الكنيسة الرافض لهذا القرار رفضا قاطعا ولقد عبرنا عنه في كل المؤتمرات الدولية التي شاركت فيها في مصر وفيينا وغيرها،" مؤكدا ان "موقفنا مطابق لموقف الفاتيكان الذي يقول ان القدس هي دولة
مفتوحة للعالم كله وللديانات جميعها، وهي جسم مستقل لأنها تحتضن تراث الديانات الثلاث وهذا القرار اقرته الأمم المتحدة منذ العام 1950 واعترفت به اسرائيل. الشعب الفلسطيني قد ظلم منذ العام 1948 على الرغم من كل قرارات مجلس الأمن التي لم تطبق وتجاهلت حق العودة وبذلك لا يريد المجتمع الدولي اطفاء النار في فلسطين لكي يبقى الشرق مشتعلا."
وتأمل البطريرك الراعي ردا على سؤال حول موضوع بطالة الخريجين الجامعيين وهجرتهم ان "تتمكن الدولة بمبلغ ال12 مليار دولار من مؤتمر سيدر ان تقدم مشاريع جديدة تخلق من خلالها فرص عمل لهؤلاء الشباب. فالحياة الإقتصادية شبه مشلولة وعلى الدولة ان تتحمل المسؤولية وان تستثمر هذه الأموال بمشاريع انتاجية. نحن بحاجة الى مستوى اقتصادي جيد لتحسين الوضع."
وحول التهديدات الإسرائيلية للبنان اوضح غبطته ان "الجميع مقتنع بانه مع ارادة الاسرة الدولية التي تبنت المؤتمرات للبنان ومع الموقف الدولي الذي يريد استمرارية الإستقرار للبنان ليس من مصلحة اسرائيل ضرب هذا الإستقرار، ولكن في المقابل علينا كلبنانيين تمتين وتحصين وحدتنا الداخلية لمواجهة اي اعتداء محتمل مهما كان نوعه."
وعن رأي الكنيسة الكاثوليكية بظاهرة الشعلة المقدسة وامكانية توحيد عيد الفصح اجاب غبطته:" اعجوبة يمكن ان تحصل وما من شك لدينا بهذا الأمر. الحياة المسيحية كلها اعاجيب. المسيح عليه السلام موجود في القربان وفي كل مكان. من يشكك لا يؤمن بشيء. وبالنسبة لتوحيد العيد ليس بالأمر السيء ان نعيد مرتين فهكذا نتعرف اكثر الى تقاليد بعضنا البعض."
وبعد الظهر استقبل غبطته في الصرح البطريركي في بكركي، وفدا من الزوار الإقليميين للآباء العازاريين من 14 دولة اوروبية، يرافقهم الرئيس الإقليمي للآباء العازاريين في الشرق الأب زياد حداد الذي اوضح ان "الوفد قدم الى لبنان لعقد المؤتمر السنوي للرؤساء الإقليميين في بيروت هذا العام والذي سيستمر على مدى ثلاثة ايام بالتعاون مع مركز الحوار بين الأديان وذلك للتعمق اكثر بالإسلام وبالعلاقات الإسلامية المسيحية وفهم مشكلة الخوف من الإسلام التي تعاني منها اوروبا. وسيكون هناك لقاءات مع رؤساء الطوائف في لبنان، وافتتحنا هذه اللقاءات بزيارة البطريرك الراعي لإلتماس بركته والإستماع الى رأيه لفهم الوضع المسيحي في لبنان والشرق باعتبار البطريرك الماروني هو مرجعية كل مسيحيي الشرق."
رحب غبطته بالوفد متمنيا لهم تحقيق النجاح في مؤتمرهم، واكد ان "الحوار بين الأديان هو امر يعيشه اللبنانيون، فالمسلمون والمسيحيون يطبقون العيش المشترك بسبب وثيقة الوفاق الوطني والدستور اللبناني الذي يؤكد على مشاركتهما معا في ادارة البلاد."
وعرض غبطته لوضع المسيحيين في لبنان والشرق مشددا على ان" لبنان يتميز عن باقي الدول المحيطة به بنظامه الديمقراطي الذي يضمن حرية المعتقد والرأي والتعبير. فالمسلم يستفيد من الثقافة المسيحية والمسيحي بدوره يتعلم من الثقافة الإسلامية وبالتالي هما اوجدا معا هوية وطنية لبنانية مشتركة وهذا ما يميز لبنان ويجعل منه لوحة فسيفساء منوعة تتميز بجمال الوانها."
واكد غبطته ان النظام اللبناني لا يشرع ابدا لقوانين تتعارض مع الشريعة السماوية كالإجهاض وغيرها كما يحصل في الغرب حيث هناك فصل بين الدين والدولة، بل هناك احترام لقانون الأحوال الشخصية لكافة الأديان."
وفي الختام منح غبطته الوفد البركة الرسولية بعد رفع الصلاة.