عاد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان يطفو على السطح الاعلامي من جديد، بعد ان غرق في بحره منذ فترة غير قصيرة، ولم تكن لقاءاته واستقبالاته وحتى اجتماعات "لقاء الجمهورية" قادرة على اعادته الى السطح مجدداً، وتطلّب الامر تدخل طرف ثالث كان كفيلاً بظهور صورة سليمان مجدداً. فزيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للرئيس السابق، اضافة الى موضوع شاحنة الاسلحة التابعة لحزب الله عام 2006 وتوقيفها، أدّيا الى سجال كان بطله سليمان دون منازع.
في السبب الاول اي زيارة جعجع، اختلف المتابعون حول تقييمها، فمنهم من رأى انها ضعف للقوات لاستعانتها بشخصية لا ثقل شعبياً لها، انما ارضاء لرئيس بلدية جبيل السابق زياد حواط الذي تبنته القوات على لائحتها في كسروان-جبيل، وان بعض الاصوات التي قد يمكن ان يؤمّنها الرئيس السابق للجمهورية لن تغيّر في المعادلات ولا في حاصل الاصوات، وبالتالي كان من الخطأ القيام بمثل هذه الزيارة لانها اعطت انطباعاً بأن القوات ضعيفة في هذه المنطقة وهي بحاجة الى كل صوت ولن تتورّع عن التوجه الى أي شخصية كفيلة بتأمين عدد من الاصوات مهما كان ضئيلاً.
في المقابل، رأى جزء آخر في الزيارة استنهاضاً لمجموعة من المعارضة ستعمل على رفع الصوت عالياً في وجه الدولة والموالاة، اعتراضاً على امور كثيرة ومعطيات لا يقبل بها عدد كبير من المواطنين، وان جمع شخصيات سياسية في جبيل-كسروان تحديداً هو لكسر هيمنة التيار الوطني الحر على المنطقة، واستغلالاً للانشقاق الانتخابي الحاصل بين التيار وحزب الله هناك، ما يعني ان الفرصة مؤاتية لجمع شمل المعارضين ووضعهم في خانة واحدة لتعزيز موقفهم، والحصول على عدد مهم من الاصوات يشقون فيه لوائح الاخصام السياسيين الآخرين.
ونبقى في وجهة الانتخابات لننتقل الى السبب الثاني لظهور سليمان اعلامياً، وهو شاحنة الاسلحة التابعة لحزب الله والتي تم توقيفها واثارة لغط كبير حولها في العام 2006. ارتباط الموضوع بالانتخابات نشأ بعد كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول الموضوع غامزاً من قناة رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة، ولكن سليمان دخل على الخط من باب كونه قائداً للجيش في تلك الفترة وضم نفسه الى السجال الذي دار... من المهم الاشارة الى ان الحادثة اتت على لسان حزب الله، وبالتالي فإن توقيتها لم يكن عبثاً، وهو كان من اجل شد عصب المؤيّدين للحزب وتنبيههم، وفق نظرة الحزب، الى ان اي استخفاف بالانتخابات ونتائجها، سيضعه في دائرة الاستهداف، كما حصل العام 2006. واراد نصر الله من خلال كلامه ايضاً، التنبيه الى إمكان استعادة محاولات سابقة لضرب الحزب من خلال جعله يتصادم مع الجيش والقوى الامنية، او التضييق عليه سياسياً لفسخ النظرية القائلة بوجود ذراعين للحزب احدهما عسكري والثاني سياسي، والا يكون لجعجع وسليمان دور في هذا المجال.
والاختلاف مع سليمان حول الشاحنة العسكرية، سرعان ما تحول الى خلاف خلال طاولة الحوار و"اعلان بعبدا" الذي يعتبره سليمان ابنه المدلل، وقد استهدفه الحزب بالصميم حين الغى وجوده عملياً. ولم ينس الحزب لرئيس الجمهورية السابق ما فعله في هذا السياق واتخاذه طريقاً آخر مغاير تماماً للطريق الذي سار عليه في البداية، وينتظر الكثيرون كيفية تعاطي الحزب مع اعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رغبته في الدعوة الى حوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية، والدور الذي سيلعبه ممثلو حزب الله على الطاولة، وما اذا كانوا سيسهلون قيام الاستراتيجية ام انهم سيعرقلون، وما هي الرسالة التي سيتم توجيهها الى معارضيهم في الداخل ومنهم سليمان وجعجع.
من الاختلاف الى الخلاف، يبدو جلياً ان الماضي يلقي بثقله على العلاقة بين الحزب وسليمان، وان الامور بينهما تسير من سيء الى اسوأ، مع معطى مهم وهو ان سليمان لم يعد في السلطة وقد يخفّ نفوذه بعد الانتخابات، وقد يحتاج الى اكثر من شاحنة الاسلحة واعلان بعبدا ليطفو على السطح الاعلامي مجدداً...