ما من شك أن الغارة الإسرائيلية على مطار «التيفور» في سوريا، عدا كونها عدواناً صارخاً على سيادة دولة أخرى، فإنها جاءت رداً على القمة الثلاثية التي عقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإيراني الشيخ علي روحاني والتركي رجب أردوغان والتي خصصت للبحث في الأزمة السورية، كما انها لم تكن بعيدة عن الرد على موقف الرئيس الأميركي ترامب الذي أعلن فيه نية واشنطن الانسحاب من سوريا وإن كانت القيادة الإسرائيلية قد أبلغت الإدارة الأميركية مسبقاً بأمر الغارة على المطار السوري.
وإذا كان مثل هذا العمل العدواني يبعث على القلق من إمكانية انفلات الأمور من عقالها في ضوء الأجواء المشحونة في المنطقة، إلا أنه لم تظهر بعد أية مؤشرات تفيد بإمكانية حدوث تصعيد عسكري على الجهة السورية - الإسرائيلية، أو بين إيران وتل أبيب كون ان غالبية الذين سقطوا جرّاء الغارة، هم من الإيرانيين المتواجدين في سوريا، لكن كل ذلك لا يسقط من الحساب إمكانية قيام سوريا برد عسكري على هذه الضربة خصوصاً وأن الخطوط الحمر بين الجانبين سقطت بعد إسقاط دمشق الطائرة الحربية الإسرائيلية الشهر الفائت، وإعلان سوريا صراحة بأنها لن تسكت بعد اليوم على أي خرق لسيادتها عن طريق تنفيذ ضربات عسكرية على أراضيها من قبل تل أبيب، وقد عبرت روسيا صراحة عن ذلك بتأكيد نائب رئيس لجنة شؤون الدفاع في الدوما يوري شفيتكين انه يحق لسوريا ان توجه ضربة جوابية ضد القواعد التي أطلقت منها الصواريخ مستهدفة مطاراً عسكرياً سورياً في محافظة حمص. هذا الكلام الروسي الصريح يُشكّل غطاء لأي خطوة تقدم عليها سوريا للرد على قصف مطارها العسكري، كما انه يُشكّل رسالة الى تل أبيب مفادها بأن موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي إذا واصلت إسرائيل أعمالها العسكرية ضد سوريا. وهذا الكلام الروسي يعي أبعاده المسؤولون في إسرائيل وواشنطن، وقد بدأت بعض الأصوات في داخل تل أبيب تلومها على عملها هذا، ومن بين هذه الاصوات ما جاء على لسان محلل الشؤون العسكرية في موقع «والاه» العبري إذ قال: «مهما كانت العوامل التي اوصلت للهجوم على الاراضي السورية، فإن التوقيت الذي اختاروه كان سيئاً. فعندما تستعد روسيا لإعادة توزيع المنطقة ينصح بعدم المخاطرة بإيقاظ الدب من نومه».
مصادر لبنانية متابعة لمسار التطورات في المنطقة ترى ان المنطقة هي اليوم في قلب لحظة مكثفة من المخاطر، نتيجة لما يجري على المستوى الميداني من متغيرات، ونتيجة ارتفاع منسوب الخطاب السياسي المتشنج من قبل المسؤولين في الدول المعنية بالازمات المفتوحة في المنطقة.
وتعتبر المصادر ان إسرائيل لديها أزمة داخلية منذ ان أسقطت لها سوريا الطائرة الحربية الـF16 وهي تحاول إعادة ضخ الحياة في قواعد الاشتباك التي كانت قائمة قبل إسقاط هذه الطائرة، ولذلك فإن فرصتها هذه جاءت عبر شن هذه الغارة على المطار السوري، مستفيدة من عدّة عوامل توافرت لها للاقدام على هذه الخطوة أبرزها: مسرحية الكيماوي ورد الفعل الأميركي.
ثانياً: حجم انشغال الحكومة السورية في إخراج عناصر جيش الإسلام من محيط دمشق.
ثالثاً: حرص الإسرائيليين الشديد على توجيه رسالة في البريد المضمون لإيران، في ظل قلق تل أبيب من نية واشنطن الانسحاب من المنطقة.
وعدا عن هذه العوامل التي جعلت إسرائيل تستفيد من الظروف للقيام بما قامت به فإن قصف المطار كان مدروساً من قبل الأميركيين والإسرائيليين، لأنه يلعب دوراً مركزياً في التصدّي لمجموعات «داعش» التي تحاول منذ ثلاثة أسابيع إعادة تزخيم حضورها العسكري والميداني بعمليات ضد الجيش السوري وحلفائه.
وحول ما إذا كان ما قامت به إسرائيل هو عمل تكاملي مع واشنطن، أم هو توريط لها، تقول المصادر ذاتها إن هذا الأمر غير محسوم بعد، علماً ان الإسرائيليين قالوا انهم أبلغوا مسبقاً الأميركيين بأمر العملية.
وعن الاستخدام الدائم للأجواء اللبنانية لتنفيذ الغارات الإسرائيلية ضد سوريا توضح المصادر أن إسرائيل تعتبر لبنان الملاذ الآمن الذي يمكن استخدامه لتنفيذ أي عمل عسكري ضد دمشق وذلك حتى لا تصطدم مع روسيا، كون ان هناك التزاماً روسياً علنياً بحماية كل الأجواء السورية، وقد كشفت روسيا ان الغارة التي حصلت هي إسرائيلية وانها تمت عبر أجواء لبنان وهي قامت بذلك في محاولة لرفع الاحراج عنها وهي طلبت ايضاحات عاجلة عمّا جرى.
وفي تقدير المصادر اللبنانية المتابعة ان الغارة الإسرائيلية على سوريا تأتي في إطار أسابيع صعبة تعيشها المنطقة وتتداخل فيها الوقائع وأبرز هذه الوقائع: تلويح ترامب بالخروج الفعلي من الاتفاق النووي مع إيران.
ثانياً: ما يجري في قطاع غزة.
ثالثاً: القلق الإسرائيلي من الفراغ الذي قد يتركه الخروج الأميركي من سوريا.
رابعاً: بناء الجدار الإسرائيلي على الحدود مع لبنان واستمرار الخلاف على الحدود البحرية، والكلام عن مصانع أسلحة بناها «حزب الله» في لبنان.
تضيف المصادر في قلب هذا المناخ فإننا ربما نكون امام مخاطر عالية في المرحلة المقبلة، وهذا يتطلب وعياً ومتابعة تعرف بالعادة من قبل اللبنانيين.