أكد رئيس كتلة "المستقبل" النائب فؤاد السنيورة أ"ن بعض الدول العربية الكبرى، ولاسيما تلك التي تتمتع بالاستقرار والقدرة على الحركة وصناعة القرار الوطني والقومي، قادرة، بالتضامن والتعاون والتكامل الأمني والاقتصادي فيما بينها على المبادرة إلى وضْع الخطط ذات الأبعاد الاستراتيجية المُستندة الى نظام المصلحة العربية وتعزيزها، والحريصة على بناء وتعزيز الأمن القومي العربي بما يمكِّنُها أن تؤثّر إذا أجمعت في ما بينها على أمرين اثنين أساسيَّين: الأول في مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية المضطربة أو المهدَّدة بالاضطراب مثل سورية وليبيا واليمن والصومال ولبنان. والأمر الثاني، العمل في الدواخل المضطربة من أجل التوصل إلى وقف النار وإلى وقف العنف، وإجراء المصالحات، والتمهيد لإعداد دساتير جديدة، والمساعدة على إجراء انتخابات ديمقراطية، والإسهام في إعادة بناء الجيوش الوطنية والقوى الأمنية الأخرى.
و في كلمة له في مؤتمر فكر السادس عشر الذي تقيمه مؤسسة الفكر العربي في دبي تحت عنوان "سبل صناعة الاستقرار"، أوضح السنيورة أنه "يُعاني العالَم كلُّه، وعلى وجه الخصوص تعاني دولُنا وأُمتنا العربية من موجات الحداثة والعولمة، ومن الأحداث الصادمة والمتسارعة الناتجة عن الثورة التكنولوجية الرابعة ومن تفشي ظاهرة اليمين المتشدد في عدد من بلدان العالم وكذلك من تفشي ظاهرة الشعبوية فيها. وقد أدّت موجاتُ الحداثة العاتية، والتي رافقتها ثوراتٌ معرفيةٌ كبرى وإلى خلل، وبالتالي إلى تصدُّع وتفكّك كثير مما كان يُعتبرُ ثابتاً لا يرقى إليه الشكّ ليس في العلوم والمعارف وسُبُل الفهم والإفهام فقط، بل وفي ترتيبات حياة المجتمعات، واستقرار الدول ووظائفها، وتوجهاتها الحاضرة والمستقبلية. ونحن نعرفُ بالطبع أسباباً محدَّدةً للخلل الحاصل في كثير من الأحوال الوطنية والسياسية والتعليمية والاقتصادية والأمنية والتنموية والمعيشية الحاصلة في الكثير من الدول والمجتمعات العربية بما يفاقم حالة الظلم الشديد التي تعيشها المجتمعات العربية من القهر والاغتصاب والتنكيل الذي تمارسه اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والتعسّف الذي تمارسه بعض الانظمة العربية ضد شعوبها، ومن الفتنة التي تزرعها إيران في العديد من الدول العربية من خلال تدخّلها لتعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية. ذلك مما أدى إلى تعميق وزيادة حدة هذا الاضطراب الحاصل في دول المشرق العربي. وبالتالي يكونُ علينا أن نُدرك أنّ حالة السيولة والضبابية في المجتمعات والدول العربية، وتراجع مستويات الخطاب الثقافي، والسياسي، والقومي العربي، والديني، التي من بين أسبابها العميقة حالة الغموض واللايقين السائدة، والتي أحدثت المخاوفَ، وأثارت الهواجسَ، وزادت من علل الاضطراب ومشكلاته وتعميق حالة الفرقة والتباعد والانقسام داخل المجتمعات العربية وبين الدول العربية بين بعضها بعضاً. إنّ هذه كلَّها تحدياتٌ تُواجهُنا في مجتمعاتنا ودولنا العربية. وبالتالي يكونُ علينا ونحن نعملُ على تجاوُز الاضطراب، واستعادة السكينة والاستقرار والتوازن، أن نأخذ تلك التحديات بعين الاعتبار ونواجهها بما تقتضيه هذه المواجهة من إرادة وجدية والتزام لكي لا نفاجأَ بما لم نكن نتوقّعُه. إنّ هذه المواجهة تقتضي منا أن نستعينَ للخروج من تلك المآزق والانسدادات بالعودة إلى الاهتداء بالمبادئ والقيم الأساسية التي تساعدنا على تحديد معالم الطريق، وتُمكِّننا من تصويب بوصلة نخبنا السياسية ومجتمعاتنا العربية لمواجهة حالة الغموض والضياع والتراجع التي تعاني منها المجتمعات العربية، على أكثر من صعيد وطني وسياسي واقتصادي واجتماعي وأمني".