ينتظر العالم تحديد الساعة صفر لمراقبة ما ستنتج عنه الضربة العسكرية التي وعد الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتوجيهها الى سوريا. وانتقلت القضية من التشكيك بالضربة الى تأكيدها انما يبقى الاختلاف حول حجمها والاسلحة التي سيتم استعمالها.
الظروف اليوم تبدو مشابهة تماماً لما حصل قبل نحو عام، ففي 7 نيسان عام 2017، اتخذ ترامب قراراً بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا بعد ان اتهم النظام السوري باستهداف مدينة ادلب باسلحة كيميائية، فأطلق 59 صاروخاً من طراز "توماهوك" على مطار الشعيرات. الظروف نفسها نعيشها اليوم بعد ان هدد ترامب بضربة اثر اتهامه النظام ايضاً باستعمال الاسلحة الكيميائية في دوما السورية، وللمفارقة فإننا ايضاً في شهر نيسان!.
ولكن الاختلاف جوهري بين نيسان 2017 ونيسان 2018، وبالتالي فإن اوجه الشبه من حيث الظروف العامة، تختلف جذرياً عن اوجه الشبه من حيث الواقع السياسي والميداني. اليوم، يعتمد ترامب على "اسلحة ذكية" قال انها ستستخدم في الضربة المتوقعة، كما انه يستند الى دعم اوروب -اقلّه من بريطانيا وفرنسا والمانيا (ولو بنسب مختلفة)- ليتقاسم ردّة الفعل الدبلوماسية المحتملة. هذا من الناحية السياسية، اما من الناحية الميدانية، فالامور مغايرة ايضاً، لان روسيا نجحت في تثبيت اقدامها وفرض نفسها كمعنية اساسية في الوضع السوري، ولن تقبل ان يتم تخطيها في اي قرار قد يؤثر على الوضع هناك، كما انها ترى ان من حقها التمتع بنفوذ اكبر بكثير من غيرها من الدول في هذا البلد نظرا ًالى الاثمان التي دفعتها اقتصادياً وعسكرياً وتدخلها الميداني على الارض السورية. كما لن تقف روسيا متفرجة على اي تحرك قد يشنه من يحملون عليها ويدّعون الى مقاطعتها ومحاصرتها، ولن تفوّت الفرصة لاظهار مدى فاعلية نوعية الاسلحة التي تملكها والتي تدّعي انها قادرة على مقارعة او حتى التغلب على الاسلحة الاميركية أكانت ذكية ام لا.
وفي هذا السياق، يأتي الاتصال الذي اجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو والذي يتردد فيه ان الاول حذّر اسرائيل من أي تخط لحدودها ودورها كي لا تلقى رداً من انظمة الدفاع الجويّة الروسية او من سلاح الجو الروسي حتى، والتذكير بأن قواعد الاشتباك التي كان متفقاً عليها سابقاً لا تزال قائمة، ولكن بتشدد اكبر هذه المرة، لان هيبة روسيا في الميزان.
من المؤكد ان ترامب ومن يدعمه في الضربة العسكرية لن يرسلوا جنوداً لقتال في الميدان، وهو امر ان دلّ على شيء، فعلى ان لا تغيير سيشهده الواقع السوري، بل مجرد رسائل وعرض قوة متبادلة، وهو سينعكس حتماً توتراً في سوريا والدول المجاورة، كما قد يشهد "مناوشات" اقتصادية عالميّة، وسيدفع الجميع الى استغلال أيّ فرصة متاحة لتحسين ظروف تدخلهم وما يمكن ان يحصلوا عليه من مكاسب على اكثر من صعيد.
الجميع ا ذاً بانتظار تحديد التوقيت الذي سيتم من خلاله توجيه ضربة الى سوريا، هي ضربة عسكرية حتماً لكنها لن تصل الى حدود الغزو، ولا حتى الى حدود تشكيل تحالف دولي لمحاربة النظام السوري، ولكن الرد الروسي سيكون محطّ اهتمام وسيسرق الانظار، فهل ستكون روسيا على الموعد بعد الكلام الصادر عنها حول جهوزيتها للرد على اي هجوم صاروخي محتّم على الاراضي السوريّة، ام انها ستكون اكثر ليونة لتماشي المتطلبات الجديدة والمتغيّرات التي شهدتها المنطقة، وقد يكون ثمن ذلك الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية في مكان آخر؟.
كل شيء رهن ما سيحصل في الساعات المقبلة، ولغة الصواريخ هي التي من المتوقع ان تسود لفترة قصيرة من الوقت قبل اعادة التقييم.