لا شيء في دمشق يوحي بوجود حرب على الأبواب، تشير التقديرات السورية إلى أن الضربة الأميركية، بحال نفذت واشنطن تهديداتها، لن تتجاوز تلك التي نفذتها سابقاً، مع العلم أن الاحتمالات تبقى مفتوحة على كل السيناريوهات.
المشهد في دمشق اليوم، يختلف كثيراً عما كان عليه في منتصف العام 2013، حين هددت الولايات المتحدة، في ذلك الوقت، بضرب سوريا أخذت التهديدات على محمل الجد، واتخذت اجراءات احترازية على كافة مداخل العاصمة، تحسباً لهجوم بري متزامن مع الضربات الجوية، بينما تعيش العاصمة السورية في الوقت الراهن هدوءاً، وينتظر الأهالي خروج آخر مسلح من محيطها لإعلان الانتصار، نظراً إلى أن ما كان يمكن للأميركي أن يستند عليه لتحقيق أهداف سياسية والضغط على دمشق أزيل تماماً.
على الرغم من ذلك، تدرس القيادة السورية كافة الاحتمالات والفرضيات، وهي تدرك أن أي ضربة أميركية قادرة على إلحاق المزيد من الأضرار، أو تدمير بعض المنشآت، لكن حكماً لن تؤدي إلى إضعاف أو اسقاط النظام، فالجميع يعلم أن هذه الصفحة طويت منذ زمن.
المعضلة التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم، تكمن بأن سوريا وحلفاءها نجحوا في قلب قواعد اللعبة وتوازنات القوى في دمشق، دون أن تحصل واشنطن على أي شيء في المقابل، حيث كانت الخطة السورية-الروسية محكمة بفصل "جيش الاسلام" عن باقي المجموعات الارهابية، ما اضطر الأميركي للرضوخ عند إخراجها من الغوطة، لكن عند الوصول إلى "جيش الاسلام" حاول الأميركيون، عبر سيناريو إستخدام السلاح الكيميائي، اعطاء جرعة معنويات لصمود قيادات هذا "الفصيل"، إلا أن القوات الروسية تدخلت بسرعة لاتمام الاتفاق واخراجهم إلى مدينة جرابلس، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التصعيد، والتهديد بهدف الحصول على مكاسب مقابلة.
وفقاً للمعطيات المتوافرة، فإن خيارات الولايات المتحدة في سوريا أصبحت محدودة، رغم وجود قوات لها في شرق البلاد، من التنف إلى الحسكة ودير الزور، والمعلومات من الحسكة والشدادي تؤكد وجود عمليات هجومية تستهدف القوات الأجنبية في المنطقة، كما أن القواعد التي تستحدثها واشنطن في المنطقة ليست بعيدة عن أعين المراقبين، وبالتالي فإن خيارات الرد على أي ضربة أميركية ليست صعبة المنال، كما أن الولايات المتحدة خسرت ورقة الضغط على العاصمة السورية، بعد خروج المسلّحين، وبالتالي فإن ارتكاب أي خطأ قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، لن تقف عند حدود اسقاط الصواريخ.
وفي حين لم يعلن ترامب، حتى الآن، عن أهدافه بشكل واضح، تتحدث مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، عن 3 مطالب أساسية، الأول متعلق بالوجود الإيراني و"حزب الله" في سوريا، لا سيّما في جنوب دمشق، والثاني بضمانات حول وجود القوات الاميركية في الحسكة وشرق سوريا، اذ يدرك أنه، بعد تحرير محيط دمشق، أصبح الجيش السوري يمتلك فائضاً من القوة، قادرة على سحق المجموعات المسلحة المتبقية والوصول إلى شرق البلاد، أما الثالث فمتعلق بانزعاجه من نقل مقاتلي "جيش الاسلام" الى جرابلس، على بعد 40 كلم فقط من منبج، المدينة الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" والتي يطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإخراجها منها.
في المحصلة، لا تنذر المعطيات بوجود حرب، ورغم كل الضغوط فإنّ القيادة السورية مصرّة على استعادة السيطرة على كامل أراضيها، ما يعني أن المعركة لن تتوقف عند حدود الغوطة.