لم يكن "حزب الله" يتوقع أن يواجه، خلال الإنتخابات النيابية المقبلة، هذا الكم الهائل من الأزمات بين حلفائه، لا سيما "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل"، لكن على ما يبدو أن ما ينتظر الحزب بعد هذا الإستحقاق سيكون أصعب.
في السابق، كان الحزب يحرص على حصر مشاركته في مؤسسات الدولة بتلك المنتخبة، فهو قبل العام 2005 لم يشارك في الحكومات التي تعاقبت منذ توقيع إتفاق الطائف، لكن بعد ذلك بات حضوره أساسياً، لا بل أن أمينه العام السيد حسن نصرالله أكد، في خطابه خلال مهرجان "الوفاء للنصر"، أن الحزب لن يختار الخروج من الحكومة المقبلة عند أي خلاف يقع مع باقي الأفرقاء.
على هذا الصعيد، توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الحزب كان يريد من مشاركته في الحكومات السابقة، بعد الخروج السوري من لبنان، حماية "المقاومة" والحفاظ على سلاحه، الأمر الذي يعتبر أولوية بالنسبة له، بينما اليوم يطرح ملفاً آخر متعلقاً بمحاربة الفساد، خصوصاً بعد أن لمس حجم النقمة الشعبية على أداء نوابه، لا سيما في دائرة بعلبك-الهرمل.
من وجهة نظر هذه المصادر، سيكون على الحزب، بعد الإنتخابات النيابية، التعامل مع توازن جديد في البلاد، في ظل ظهور معالم تحالف رباعي غير مباشر على مستوى الملفات المحلية، يضم: تيار "المردة"، حزب "القوات اللبنانية"، "حركة أمل"، الحزب "التقدمي الاشتراكي"، وهذه المعالم كانت قد ظهرت، في الحكومة الحالية، عند طرح أي ملف (الكهرباء على سبيل المثال)، في مقابل تحالف آخر يجمع بين تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر".
وتتوقع المصادر نفسها أن تنضم قوى وشخصيات أخرى إلى التحالف الرباعي، لا سيما تلك التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار، بينما سيكون كل من الحزب "الديمقراطي اللبناني" و"حركة الاستقلال" إلى جانب تحالف "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل"، في حين على "حزب الله" إختيار مواقفه بعناية، في ما يتعلق بالملفات المحلية، في ظل تحالفه مع "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" معاً، انطلاقاً من همّين أساسيين لديه: الحفاظ على وحدة البيئة الشيعية والغطاء المسيحي أيضاً، وهو كان يسعى، طوال الفترة السابقة، إلى معالجة الخلافات بين حليفيه بأقل قدر ممكن من الخسائر، بدل أن ينحاز إلى أي منهما، إلا أن شراسة المعارك المنتظرة قد تفرض عليه هذا الخيار.
إلى جانب الملفات الداخلية التي تخضع دائماً إلى توازنات غير ثابتة، لدى "حزب الله" اهتمامات أخرى متعلقة بالصراع القائم على مستوى المنطقة، بين المحورين السعودي والإيراني، بالإضافة إلى الضغوط المفروضة عليه من جانب الولايات المتحدة، وفي الصراع مع إسرائيل، من دون تجاهل أن الصراع حول الاستراتيجية الدفاعية سيعود إلى الواجهة من جديد، حيث من المفترض أن تكون الملف الأبرز بعد الانتخابات النيابية، بحسب ما أعلنت العديد من الجهات السياسية في الفترة الأخيرة.
في هذا السياق، تشير المصادر المطلعة إلى أن مهمة الحزب لن تكون سهلة على الإطلاق، في ظل تصاعد الصراع الإقليمي بين الرياض وطهران، والتهديدات الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا على خلفية الإتهامات التي توجه إلى دمشق حول إستخدام السلاح الكيميائي في دوما، في حين تبدي كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية اهتماماً بارزاً في المعركة الانتخابية، لا سيما في الدوائر التي تعتبر الخزان الشعبي الأساسي لـ"حزب الله"، وهنا تتوقع أن يعود كل فريق محلي إلى قواعده التقليدية، أي قوى الثامن والرابع عشر من آذار.
في المحصلة، ترجح المصادر نفسها أن يعمل الحزب، من خلال مواقفه المحلية، إلى التوازن بين حلفائه، من أجل ضمان وقوفهم إلى جانبه في الملفات الاقليمية، التي يعطيها الأولوية القصوى، لكنها تشير إلى أن الكثير من علامات الاستفهام تطرح حول قدرته على تحقيق هذا الهدف، في ظل الأولوية التي ينوي "التيار الوطني الحر" أن يعطيها للملفات الداخلية، والتي على ما يبدو ستضعه دائماً في صدام مباشر مع "حركة أمل".