تتعدد الموانع والضوابط في مجتمعنا، وتفرض على اللبناني نمط حياة نموذجي يتماشى مع مرجعيته الطائفية والسياسية والمناطقية. فبين الحلال والحرام والمسموح والممنوع يدور الللبناني في فلك المحظورات ومنها "لا تقترب منه انه مريض ايدز". فهل فعلاً مريض الايدز مصابٌ بالايدز؟.
منذ نعومة أظافره والانسان يعيش هاجس الحفاظ على عافيته الجسدية، فهو بالرغم من كل التطور الذي شهده الا أنه ما زال أسير خوفه من المرض. هذا الخوف تربص به الى درجة أنه أصبح يغلق أبواب المعرفة والوعي على نفسه، فيتجنب حتى الحديث عن المرض.
هذا هو الحال في ما يخص الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري أو الـ"HIV"، فهم يقعون ضحية جهل الانسان وكأنهم يمتلكون وباءً خطيراً لا يجوز الافصاح عنه، أو حتى التعامل معه بطريقة طبيعية. ان هذا الفيروس وكما يدل اسمه عليه، يتسبب بتدهور وظائف خلايا الجهاز المناعي، فيصبح الجهاز غير قادر على القيام بدوره لحماية جسد الانسان من الأمراض وبالتالي الشخص الذي يعاني من هذا الفيروس ليس بالضرورة مريض "ايدز".
أما الايدز أو متلازمة نقص المناعة المكتسبة، فيصيب حامل الفيروس بعد مدة تترواح بين 5 سنوات و15 سنة من حمل هذا الفيروس، أما غير ذلك فهو شخص متعايش مع فيروس الـHIV وليس مصاباً بالايدز.
والجدير بالذكر أن هذا الفيروس لا ينتقل عن طريق الاختلاط العادي بين الأشخاص كالأنفلونزا، انما ينتقل فقط عبر العلاقات الجنسية غير المحمية وعن طريق عمليات نقل الدم الملوث بالفيروس أو من الأم الى جنينها.
من هنا، أوضحت المديرة التنفيذية لجمعية"Leb Mash" بيانكا سلوم، في حديث لـ"النشرة"، أنه "من خلال العلاج الذي أصبح متوفراً ومؤمناً من قبل وزارة الصحة، يتم السيطرة على الفيروس لكي لا يصبح ايدز، لذلك فانه لم يعد ينتشر بهذه السهولة كالسابق".
وعن سبب الالتباس حول هذا الموضوع، ذكرت سلوم أن "الخلل يكمن بقلة المعرفة عند عامة الناس والجسم الطبي والمحامين مما يؤدي الى التمييز وسوء المعاملة"، منوهةً الى أن "حامل فيروس نقص المناعة البشري يتعرض للطرد التعسفي من العمل عند معرفة وضعه الصحي علماً أنه ما من خطورة على الآخرين ابداً".
كما لفتت الى أن "التمييز الذي يتعرض له حامل هذا الفيروس يؤثر سلباً على صحته، لذا فالجميعة تعمل على عدد من الأصعدة من بينها نشر التوعية والثقافة الصحية بهدف تغيير السياسات المتبعة".
لا يعاني حامل هذا الفيروس من نظرة المجتمع المربية بحقه فقط، انما يعاني أيضاً من التعرض لحقوقه الاساسية بسبب القانون المجحف بحقه.
وفي هذا السياق، أكدت المحامية والخبيرة القانونية نيرمين سباعي لـ"النشرة" أن "ابرز ما يتعرض له حامل فيروس نقص المناعة البشري هو التمييز مما يدفعه الى عدم اللجوء الى العلاج خوفاً من الوصم الذي سيعيق حقه بالصحة، فللأسف يتم خرق خصوصية المريض من قبل الجسم الطبي الذي يذكر بملف المريض حالته الصحية دون مراعاة خصوصيته"، مشيرةً الى أن "شركة التأمين لا تغطي الأشخاص الذين لديهم الـHIV مما يؤدي الى حرمانهم من حقهم الطبيعي بالتأمين".
ورأت أن "هذا التهميش الذي يتعرض له هؤلاء الأشخاص على كافة المستويات يعود الى غياب النصوص الحامية التي تمنع التمييز"، مطالبةً "بوجوب الغاء كل النصوص التي تجرم حاملي هذا الفيروس".
كما ذكرت أن "هناك مشروع قانون يخص المتعايشين مع هذا الفيروس لكننا لا نتبناه لأنه يعنى فقط بالـHIV مما سيزيد من البصم والتمييز بحق حاملي هذا الفيروس، لذا يجب أن يتم العمل عليه ليغطي شريحة اكبر من الأشخاص الذي يعانون من أمراض مختلفة".
بين نظرة المجتمع التي لا ترحم حاملي فيروس نقص المناعة البشري، وبين غياب النصوص القانونية التي تضمن حقهم وتحميهم من التمييز، يعيش هؤلاء الأشخاص حاملين على أكتافهم أعباء حالتهم الصحية. فهل نشر الوعي الذي تسعى اليه بعض الجمعيات كمبادرة فردية منها، أمرٌ كاف اذا كانت القوانين لا ترعى حقوقهم ولا تضمن لهم مرجعيةً يمكن الاحتماء بها؟.