حبس العالم أنفاسه على وقع تصاريح عالية النبرة وتهديدات أميركية غربية ترافقت مع تحشيد عسكري للبحرية الأميركية قرابة شواطئ المتوسط مزودة بصواريخ بعيدة المدى أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب متحالفاً مع بريطانيا وفرنسا تحديد سورية كهد ف عسكري لمعاقبتها بعدما تم تزوير ادعاء كاذب مبني على الافتراءات وتلفيق التهمة الممجوجة باستعمال الجيش العربي السوري أسلحة كيميائية في حربه على الإرهاب، ذلك بعد تحضير المسرح في أروقة مجلس الأمن بالتزامن مع حشد إعلامي غير مسبوق اعتمد بث تقارير وأفلام مزورة تم تحضيرها مسبقاً في استديوهات هوليوود وكل ذلك لتبرير العدوان الثلاثي على سورية.
لن ندخل في عملية تسليط الضوء على استهتار أميركا والغرب بالقوانين الدولية التي أقرها مجلس الأمن ولا باستخفاف أميركا والغرب بالشرعة الدولية وعدم احترام سيادة الدول واستقلالها لأن الأمر تعدى ذلك والاعتداء حصل على سورية خارج نطاق قوانين الأمم ورغماً عن إرادة الأسرة الدولية والإنسانية.
ألم تقل مندوبة أميركا في مجلس الأمن نيكي هايلي وبشكل فاضح إن أميركا ستوجه ضربة صاروخية لسورية خارج نطاق مجلس الأمن وإن لم توافق الأمم المتحدة على ذلك؟
لكن دعونا نتجاوز أسباب الاعتداء الثلاثي التي باتت مفضوحة ومعروفة لكن لنبحث في نتائج الاعتداء وانعكاساته على سورية والمنطقة وعلى الدول التي شاركت في الاعتداء على سورية.
أميركا: ترامب المأزوم في جولات صراعه المرير مع مكونات الحكومة العميقة في إدارته بعد ما شهدت إقالات واستقالات متتالية من مراكز القرار الأميركي ما أظهر الإدارة الأميركية في حال تخبط دائم وفوضى وتناقض بائن على مستوى اتخاذ القرار وعجز كامل في إدارة الملفات الساخنة مثل كوريا والصين والمكسيك والعراق وتركيا وسورية وليبيا واليمن، وعجزه عن تحقيق أماني ربيبة أميركا في المنطقة إسرائيل، وجد ضالته لإنقاذ نفسه من سطوة أركان الدولة العميقة واستطاع انتزاع المديح من أخصام لدودوين مثل جون ماكين بعد تنفيذ الاعتداء على سورية.
إسرائيل: اعتقدت أنها ظفرت بالغنيمة السورية بعد إبلاغها نية أميركا وفرنسا وبريطانيا شن عدوان ثلاثي على سورية فأعلنت الاستنفار للمشاركة في الاعتداء الثلاثي استعداداً لتفجير وضع المنطقة على نطاق واسع والتكفل بتدمير البنية التحتية للدولة السورية فخُيّل لإسرائيل أنه حان وقت القطاف والانقضاض على الجيش السوري وحزب الله وإيران دفعة واحدة في كل من سورية ولبنان ما يتيح لها الفرصة في قلب الطاولة وخلط الأوراق من جديد بعد أن مَنّت النفس الإسرائيلية باستعادة زمام المبادرة لتحقيق انتصار عسكري إسرائيلي على الرئيس الأسد يرضي السعودية ودول الخليج ويهيئ المسرح لإنهاء تمرير صفقة القرن على حساب الفلسطينيين وإنهاء القضية برمتها.
مع انهيار الفصائل الإرهابية في الغوطة خسرت إسرائيل والسعودية أهم أدوات الضغط على سورية وفي محاولة لتمهيد الطريق أمام المواجهة الشاملة قامت إسرائيل بتنفيذ غارة على قاعدة إيرانية في مطار «التيفور» في الوسط السوري أسفرت عن استشهاد 7 أفراد من الطاقم الإيراني ما شكل تحولا في قواعد الاشتباك وأدخل العدو الإسرائيلي في مواجهة مباشرة مع إيران، وهذا ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإجراء اتصال عاجل برئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهدداً ومحذراً من مغبة المغامرة الإسرائيلية.
السعودية: أدركت خسارة كل أوراقها وفصائلها المؤثرة في مجرى الأحداث في سورية وأيقنت خروجها من المعادلة فقامت بتمويل العدوان الثلاثي على سورية ظنا منها بأن العدوان سيطيح بالرئيس بشار الأسد ويوجه ضربة عنيفة إلى ركائز الدولة السورية ويطيح بحزب الله ويخرج إيران من سورية ويحجّم دورها في المنطقة ما يفسح المجال أمام السعودية لتتزعم عالم الاعتدال العربي وتقود بذلك عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني وتمرير صفقة القرن مع العدو الإسرائيلي.
تركيا: أردوغان اللاعب على حبال معلقة كان يمني نفسه بأن يكون الاعتداء الثلاثي أكبر وأشمل يطيح بالدولة السورية ما يسهم في إمكانية تزعم تركيا قوى الإخوان وإعادتهم إلى سورية من جديد وما يحقق حلم أردوغان ابن السلاجقة، أليس هو من قال لن أفك التحالف مع أميركا ولن أترك الشراكة مع روسيا ولن أتخلى عن التعاون مع إيران في محاولة لضمان مصالحه الخاصة على حساب سورية؟
فرنسا: ماكرون المأزوم اقتصادياً اضطر للمشاركة بالاعتداء الثلاثي تنفيذاً لأوامر السعودي الأميركي ولضمان إتمام صفقات 20 مليار دولار مع السعودية و15 مليار دولار مع الإمارات وأيضاً لمشاركة أميركا في ضمان حصة لها من الطاقة السورية وضمان حصة مشاركة وازنة في الحل السياسي المرتقب لسورية في سوتشي، ألم يقل وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان مشاركتنا ليست ضد النظام السوري إنما لضمان المشاركة في الحل السياسي؟
بريطانيا: تيريزا ماي المأزومة في حكومتها وفي معالجة آثار وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ضغطت باتجاه المشاركة في تنفيذ العدوان، وذلك ظناً منها أنها الفرصة للانقضاض على سورية وتغيير النظام فيها والتخلص من قوى المقاومة مثل حزب الله وإيران في سورية وبذلك تكون بريطانيا ضمنت إبعاد أي تهديد عن الكيان الصهيوني وأمنت تنفيذ عقود المليارات من صفقة بيع التورنيدو للسعودية.
سورية: بجيشها تصدت بكل بسالة للعدوان وأفشلته ومنعت المشاركين والممولين والمنفذين للاعتداء الثلاثي من تحقيق أي مكسب ميداني يمكن أصحاب الأماني من تغيير قواعد الاشتباك، ما جعل العدو الإسرائيلي يعيش يوماً أشبه بيوم الحداد والخيبة في النتائج.
صمود سورية ونجاحها في إفشال أهداف العدوان الثلاثي عليها قضيا على أحلام وأماني كل من السعودية وإسرائيل وأميركا بإمكانية تمرير صفقة القرن الهادفة الى طمس القضية الفلسطينية كما إن نجاح سورية في إفشال العدوان الثلاثي سيكون عامل ضغط على ترامب في إعادة حساباته والإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران وعدم الانسحاب منه.
أما في النتائج الإيجابية للعدوان الثلاثي على سورية:
تعزيز دور وموقع الرئيس بشار الأسد في الداخل وتكثيف التضامن الشعبي العربي مع سورية واعتماده زعيماً وقائداً عربياً لكل الشعوب التحررية.
ترسيخ دور إيران وحزب الله أكثر في المرحلة المقبلة ضد العدو الإسرائيلي وفي المعادلة الإقليمية.
تعزيز دور روسيا في المنطقة وتحررها من أي ضغوط غربية مستقبلية بعدما نجحت في حفظ ماء وجه دونالد ترامب وتوجيه الاعتداء الثلاثي على سورية نحو معادلة صفر.