لم تمض 72 ساعة على العدوان المعادي ضد سورية فجر السبت الماضي حتى صدحت أنباء عن هجوم لصواريخ معادية "مجهولة" على مطارَي الضمير والشعيرات في ريفي دمشق وحمص ليل الإثنين -الثلاثاء، قوبلت بمسارعة الدفاعات الجوية السورية إلى التصدي لها وإسقاطها جميعها، وردّت وزارة الحرب الأميركية بنفي أي مسؤولية لواشنطن خلف هذه الصواريخ.. ماهي إلا ساعات حتى تم تكذيب خبر الهجوم، ليتبيّن أن إنذاراً خاطئاً تسبّب بإطلاق صواريخ الدفاعات الجوية السورية أثناء الليل، وأن سبب الإنذارات مردّه إلى هجوم إلكتروني "إسرائيلي" – أميركي مشترَك استهدف نظام الرادارات السوري.
اللافت أن هذا الهجوم حصل بعد أقل من 3 أيام على واقعة تصدي الدفاعات الجوية السورية للعدوان شبه الجماعي الذي قادته أميركا بمعية بريطانيا وفرنسا صباح السبت الفائت –بتأييد وتمويل دول خليجية – على أهداف سورية صنّفتها وزارة الدفاع الروسية بأنها "مدمَّرة أصلاً"، وحيث شكّل إسقاط هذه الدفاعات لنحو 71 صاروخاً معادياً صدمة في أروقة واشنطن وتل أبيب الإستخبارية. فرغم تكتُّم الإعلام الغربي و"الإسرائيلي" عليها، وادعاءات منفذي الهجوم بنجاحه في تحقيق أهدافه "دونما أي اعتراض"، إلا أن الرد الدفاعي السوري شكّل فعلياً "كميناً" غير متوقَّع لأحدث الصواريخ الأميركية ونظيراتها، حسب توصيف ضابط سابق في جهاز الاستخبارات البريطاني تحفّظ على ذكر اسمه لوكالة أنباء نروجية، حيث أكد استناداً إلى معطيات وصفها بـ"الدقيقة"، أن دمشق التي حددت مسبَقاً الأهداف المزمَع قصفها بالتنسيق مع موسكو، لم تستخدم المنظومات الدفاعية الجوية المتطورة التي تسلّمتها من موسكو في الفترة الأخيرة لاعتراض الصواريخ المعادية، بل اكتفت بالرد عبر صواريخ منظوماتها "المتواضعة" التي حدّثتها بمعية خبراء عسكريين من كوريا الشمالية، والتي سمحت لها بمسح "هيبة" وأسطورة "التوماهوك" الأميركية.
بالتزامن، ذكرت صحيفة "هافنغتون بوست" أن نتيجة الهجوم الصاروخي الثلاثي على سورية لم تقتصر على فشل ترامب في تدمير أي مواقع عسكرية أو مدنية سورية هامة، بل فشله أيضاً في إيقاف رشقات الدفاعات الجوية السورية باتجاه "أسطورة" صواريخ بلاده وإسقاط معظمها.. إلا أن أكثر من صُدم بالنتيجة هي تل أبيب. وعليه، وما أن انقشع غبار الهجوم حتى اتضحت الصورة القاتمة في "إسرائيل"؛ أكثر الأطراف الدولية تهليلاً وترقُّباً لبدء الهجوم على سورية.
"الخيبة كبيرة هنا.. والأسد سيتفاخر غدا بانتصاراته الجديدة على أعدائه"، وفق توصيف المحلل العسكري "الإسرائيلي" رون بن يشاي في"يديعوت احرونوت"، وليتمنى نائب رئيس جهاز "الموساد" عمير امليفين " لو لم يحصل هذا الهجوم من الأساس، لأنه خدم بشكل رئيسي بشار الأسد والروس والإيرانيين"، ولتتتوَّج هذه الخيبة سريعاً بصدمة أكثر وقعاً سددتها موسكو في مرمى تل أبيب: روسيا ستباشر بتزويد الجيش السوري منظومات دفاعية جوية تشمل صواريخ "أس-300".
هي رسالة قاسية بالطبع تلقّفتها تل أبيب بحنق وامتعاض شديدَين، معتبرة إياها تجاوُزاً للخط الأحمر المرسوم مع موسكو، ربطاً بالنقلة النوعية الكبيرة جداً التي سيُحدثها انضمام هذه المنظومة إلى الدفاعات الجوية السورية، "أراد الرئيس بوتين من خلالها إفهام تل أبيب وواشنطن أنه بات باستطاعة دمشق من الآن وصاعداً الرد بشكل صاعق على أي هجمات أميركية أو إسرائيلية مقبلة"، حسب ما علّق المحلل السياسي الروسي الكسندر نازاروف، سائلاً: "هل هناك أجمل من هذه الهدية التي كان يتمناها الرئيس الأسد من ترامب"؟
الهدية الروسية القيمة لدمشق في خضم التهديدات الأميركية و"الإسرائيلية" لسورية في هذا التوقيت الحساس الذي تتجه فيه إلى طيّ صفحة حربها على الإرهاب بخطى ميدانية غير مسبوقة، للتفرُّغ لمواجهة الأصيل الخارجي، أبرزت الحنق الروسي من الاستفزازات الجوية "الإسرائيلية" المتواصلة لروسيا، والتي وصلت إلى ذروتها يوم قصف مطار تيفور العسكري، والذي أودى بأرواح عدد من الجنود الروس، إضافة إلى المستشارين العسكريين الإيرانيين، حسب ما أكدت وكالات أنباء روسية، أضافت أيضاً أن القصف "الإسرائيلي" على المطار أدى إلى تدمير عدد من الطوافات والطائرات الحربية الروسية.
موسكو التي آثرت التزام الصمت حينها، بادرت سريعاً، وبشكل متعمَّد، للإعلان عبر وزارة الدفاع الروسية أن الطائرات "الإسرائيلية" هي من قصفت مطار تيفور، ماشكّل سابقة روسية تجاه تل أبيب، التي لطالما اعتمدت سياسة الصمت وعدم تبنّي مسؤولية أي غارة تنفذها نحو أي هدف معادٍ لها.. مصدر صحافي مقرب من الكرملين كشف أن القيادة الروسية أبلغت المسؤولين "الإسرائيليين" أن مكانة روسيا الإقليمية فوق كل اعتبار، وهي ترى أن "إسرائيل" باتت خطراً جدياً يهدد كل الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها روسيا في سورية، ولذا ستدافع بشراسة عن مصالحها وقواعدها وجنودها هناك ضد أي معتدٍ، مهما كلف الأمر.. من دون إغفال حساب طهران الذي لم يُقفل بعد مع "إسرائيل"؛ المسؤولة عن قتل المستشارين العسكريين الإيرانيين السبعة في قصف مطار تيفور.. "وحيث سيكون الرد الإيراني مؤلماً جداً وغير متوقَّع"، حسب إشارة المصدر. الضربة المعادية الفاشلة على سورية ستزيد حتماً من انهيار شعبية دونالد ترامب، مضافاً إليها الفضائح المتراكمة التي وضعت مصير رئاسته في مهب الريح، خصوصاً بعد الإطباق على محاميه الشخصي وكاتم أسراره مايكل كوهين، ما قد يحفزه للهروب مرة أخرى إلى الأمام عبر التخطيط لشنّ عدوان خارجي أكبر يُنقذه من مآزقه الداخلية، وبالتالي ليس مستبعَداً أن يتم الإيعاز لمسلحين في سورية بتدبير هجوم كيميائي آخر في إحدى المناطق السورية من المرجَّح أن تكون ساحته درعا أو محيطها، وهو أمر سبق وحذّرت منه وزارة الدفاع الروسية، استباقاً لأي هجوم قد يشنّه الجيش السوري وحلفاؤه في المنطقة الجنوبية لاستعادتها إلى حضن الدولة السورية.. ثمة رسالة خرقت الاستعدادات العسكرية "الإسرائيلية" التي رفعت جهوزيتها على الحدود اللبنانية والسورية تحضُّراً للردّ على مقتل المستشارين العسكريين الإيرانيين في مطار تيفور.
تنقل معلومات صحافية ألمانية عن مسؤول سابق في وزارة الدفاع الفرنسية، إشارته إلى تحذير سوري غير مسبوق وصل إلى تل أبيب، من أي تدخُّل مباشر على خط عمليات الجيش السوري وحلفائه المقبلة في درعا والمناطق الجنوبية لنصرة المسلحين هناك، كاشفاً أن الرسالة أُلحقت بـ"نصيحة" تسريع خطة إجلاء مئات آلاف "الإسرائيليين" من فلسطين المحتلة، لحظة تطور أي حدث عسكري مرتقَب إلى مواجهة شاملة بين المحورين، "لأن الرد سيصوب على "إسرائيل"، وسيكلّفها ثمناً باهظاً هذه المرة، حسب إشارته.