لا تختلف الاقتراحات الأميركية الجديدة، حول مطالبة السعودية بارسال قوات لها إلى سوريا، عما سبق وعرضته الرياض في بداية العام ٢٠١٦ على واشنطن، حين أرادت تشكيل حلف مشترك مع عدد من الدول، العربية والاسلامية والآسيوية، والدخول إلى الأراضي السورية عبر تركيا بهدف محاربة تنظيم "داعش"، كما لا يختلف الموقف السوري، غير المعلن حتى الآن، عما سبق وأعلن حينها بأن أي تدخل بري على الأراضي السورية دون موافقة الحكومة هو عدوان، وأي معتد سيعود بصناديق خشبية إلى بلاده.
الاختلاف ما بين الامس واليوم، هو أن الوقائع الميدانية تبدلت كثيراً لصالح الجيش السوري، وأصبحت تهديداته أقرب للتنفيذ بعد انهيار "داعش"، وسيطرته على أجزاء واسعة من شرق البلاد، ووصوله إلى نقاط تمركز "قوات سوريا الديمقراطية"، بالاضافة إلى أن الجيش، بعد الانتصارات الأخيرة وما سيلحقها من تسويات، بات لديه فائضاً كبيراً من القوة، وهو ما يشعر به التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
لاشك أن الحديث عن استبدال القوات الأميركية بأخرى سعودية أو بتحالف دول عدة، يثير تساؤلات حول ضمانات وجود القوات الأميركية أو غيرها على الأراضي السورية دون موافقة الحكومة السورية، اذ أن دمشق حازمة في موقفها السيادي باعتبار القوات الأميركية غير شرعية، وفي تأكيدها على حقها في ازالة "الاحتلال" بكافة الطرق المتاحة، وفقاً لشرعة الأمم المتحدة، لذا فإن السؤال المطروح اليوم هو هل تحاول الولايات المتحدة سحب قدمها من المستنقع وتوريط الدول الحليفة لها؟.
من المؤكد أن العرض السعودي السابق أصبح غير قابل للتنفيذ، نظراً للمخاطر الكبرى المحدقة بالقوات المعادية للجيش السوري وحلفائه، فاذا كانت القيادة السورية تدرس الخيارات المتاحة لمقاومة "احتلال دولة" عظمى فإنه ليس من الصعب اتخاذ قرار بمهاجمة قوات تحالف تقوده السعودية، وعليه لم تعد لدى التحالف الدولي خيارات واسعة، حيث الجميع يدرك تغير موازين القوى، والرياض، وإن بدت مهتمة بالاقتراح الأميركي، فإنه في الكواليس يجري البحث حول الضمانات والإمكانات والخيارات، وسط ترجيح أن ترفع الرياض شروطها لعدم الخوض في مغامرة لن تعود عليها الا بالخسارة.
الموقف السعودي لا يبدو مريحا للأميركي، الذي بدأ يستشعر البيئة المعادية له في شرق سوريا اثر تنفيذ عمليات ضد قواته ومن ثم خروج مظاهرات في الرقّة والقامشلي مناهضة لوجوده، بالإضافة إلى احراق العلم الأميركي في مدينة القامشلي التي تسيطر على معظمها الوحدات الكردية، وهو ما يؤشر إلى وجود بيئة رافضة لـ"الاحتلال"، وينذر باتساع رقعتها وامكانية تحولها لمقاومة وفقدان السيطرة على الأمور.
من جهة أخرى يبدو أن هناك خياراً، ربما ينقذ الطرفين، عبر ادخال مجموعات من "بلاك ووتر"، على أن تدفع السعودية التكلفة الباهظة للشركة أو للاميركي، بدلاً من مشاركتها، الأمر الذي يصر عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يضغط على الرياض لتمويل تواجد قوات بلاده في سوريا، في حين لا يخفي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير محافظة بلاده على حصتها من المسؤولية والعبء، لكنه لا يؤكد عزم المملكة تمويل الخطط الأميركية في سوريا.
من المؤكد أن الاقتراحات الجديدة مرهونة بالوضع المعقد في سوريا، والّذي يبدو أكثر على جبهة حلفاء الولايات المتحدة، فالواضح أن أصحاب الأرض ضيّقوا الخيارات، في حين من المتوقع أن تتجاوز المرحلة المقبلة من الحرب الوكيل لتصل إلى الأصيل.