أقّر مجلس النواب مادة خطيرة على المجتمع اللبناني ضمن موازنة 2018 استجابة لمطالب المجتمع الدولي (المادة 50 من مشروع قانون الموازنة اصبحت المادة 49 من الموازنة)، عشية انعقاد مؤتمر سيدر واحد تقضي بمنح كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان إقامة دائمة له ولزوجته واولاده القاصرين في لبنان، على ألاّ تقل قيمة الوحدة السكنية عن 750 مليون ل.ل. في العاصمة بيروت 500 مليون ل.ل. في باقي المناطق اللبنانيّة.
الهدف من وراء هذا القانون واضح وهو تحريك القطاع العقاري الذي يشكو حالياً من ركود نظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولإرتفاع سعر العقار في السنوات الماضية الى مستويات غير مسبوقة تجاوزت قدرات المواطن المقيم على الشراء، ممّا خفّض الطلب الى مستويات متدنيّة. يضاف الى ذلك سياسة مصرف لبنان الجديدة التي قضت بوقف دعم القروض السكنيّة بعد ان تبيّن لها ان القروض تستعمل لغايات أخرى تجارية منها وصناعية، كما اللجوء الى تحويلات من عملة إلى عملة للإستفادة من الفائدة المدعومة دون اللجوء إلى بيوعات فعلية للعقارات المبنية، مما أدى الى حصول أزمة سكن حقيقية تضاف الى انعدام السياسة الاسكانية للدولة اللبنانية وعدم ايجاد أي ضوابط للإيجار الحرّ المتفلت، كما ازمة قانون الايجارات الجديد المتعلق بالايجارات القديمة وتأثيره السلبي المرتقب على الوضع الاجتماعي .
من الناحية القانونية، مستغرب كيف تمّرر مادة كهذه ضمن الموازنة السنوية للدولة وبمادة وحيدة ومقتضبة، علماً ان اعطاء إقامة دائمة أو مدى الحياة هو بطبيعته مخالفة دستورية واضحة، إذ ان الاقامة عليها ليس فقط أن تكون موقتة لا بل محددّة بعددٍ من السنوات (لا يجب ان تتعدّى العشر سنوات) وبشروط محدّدة، فالعقد الدائم لا يجوز قانوناً.
هذا عدا أنّ الموازنة بطبيعتها تقّر لسنة واحدة فكيف تمرّر قوانين ضمنها تعطي حقوقاً لمدة تتجاوزها فهذا مناقض لقانون المحاسبة العامة فيكون بالتالي باطلاً لهذه الجهة.
أما آن الأوان لمجلس النواب ان يتوقف عن اللجوء الى هذا النهج لتمرير بعض القوانين؟!.
أمّا من الناحية الاجتماعية فإن هذا القانون يؤدّي الى زيادة الصراع الطبقي، ويزيد الشرخ ويعمّق الهوّة بين اصحاب رؤوس الأموال والطبقة الفقيرة، بحيث يتملك الأغنياء شققاً لاستثمارها عن طريق تأجيرها من الطبقة الفقيرة، التي سوف تضطر الى الاستئجار بسبب انعدام قدرتها على التملّك والمنافسة بسبب التشدّد في شروط الاقتراض من المصارف المفروضة على المواطن المقيم، ممّا يعيدنا إلى العبوديّة ولكنهّا مقنّعة في حالتنا هذه.
فتوسيع سوق الاستثمار العقاري والسعي لتسييل العقارات المبنيّة لاسيّما الفخمة منها، والعمل على معالجة ازماته خارج اطار سياسة اسكانيّة واضحة ودون العمل اولاً على تأمين مساكن للشعب اللبناني بأسعار مقبولة، ما هو الا قفزة في المجهول سيكون لها تدعيات خطيرة ستؤدي الى نتائج أخطر لا تحمد عقباها.
هذا عدا التأثير على رفع قيمة رسم التسجيل من خلال لجوء الساعين للحصول على الاقامة الدائمة الى رفع اسمياً القيمة الحقيقية للشقّة المشتراة للإستفادة من تقديمات هذه المادة، ممّا سيوثر سلباً على تعرفة التسجيل للشقق المجاورة بسبب المبدأ المتبع لتقدير واستيفاء رسم التسجيل لدى الدوائر العقارية، حيث يتم المقارنة مع أعلى سعر بيعي في البناء أو الجوار.
فما نتمنّاه ان يردّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هذه المادة إلى مجلس النواب لقراءة ثانية، ويصار إلى إعادة دراستها بشكل متأنٍّ في إطار خطّة شاملة ومتكاملة تأخذ بعين الإعتبار حق السكن الذي يجب ان يكون على رأس الأولويات، لأن تأمين السكن اللائق هو من مسؤوليّة الدولة وعلى عاتقها عوض تركه خاضعاً لقوانين السوق. وما إقرار المادة 50 دون الأخذ بعين الإعتبار مقدار نسبة الكثافة السكانية في لبنان قد يؤدّي إلى إستبدال سكّاني، بالإضافة إلى ما تؤديه من إستقرار المقيم على الأراضي اللبنانية الامر الّذي قد يخلق مزاحمة على أكثرية الأعمال، سيكون وقعها كارثياً. فالحالة هذه تستدعي لا بل تحتّم وضع ضوابط دقيقة لإمكانيّة الجمع بين الهدف الإقتصادي المرجوّ والأمن الإجتماعي المطلوب .
*عضو الهيئة التأسيسية للجنة الأهلية للمستأجرين