قد يقول البعض أن قانون الانتخاب الجديد الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية بعد نحو أسبوعين أُقر على عجل وخضع واضعوه لضغوط شتى، جعلتهم يسارعون الى اعتماد صيغة توافقت عليها الغالبية الساحقة من القوى السياسية، قبل أن تعمد الى تأجيل موعد الاستحقاق النيابي للمرة الثالثة على التوالي بحجة البطاقات البيومترية. وقد يرفض البعض الآخر مجرد التصويب في هذه المرحلة على قانون يعتبرونه ساهم بنقل لبنان الى "عصر النسبية" ما يحتّم برأيهم التغاضي عن بعض سيئاته. لكن وفي كل الأحوال، يمكن تبيان توافق عام على وجوب اخضاع هذا القانون لتعديلات شتى بعد الاستحقاق النيابي، لتفادي تشوهات لا شك ستترك أثرا بالغا بنتائج الانتخابات كما بعلاقات القوى السياسية، ما سيمهد لولادة تحالفات واصطفافات جديدة بدأت تظهر معالمها قبل أيّام من الاستحقاق النيابي.
وان كان النقاش حول "شوائب وعيوب" القانون قد يتفرّع، الا انه يمكن الحديث عن 3 عناصر أساسية تحتّم اعادة النظر بالقانون وهي: التحالفات الهجينة، الصوت التفضيلي والمال الانتخابي. فلا يختلف اثنان على ان التحالفات الانتخابية التي أنتجها هذا القانون هجينة ومستغربة، وتؤدي بطريقة أو بأخرى للاستهزاء بالناخب من خلال اقناعه بأن الغاية تبرر الوسيلة. فـ"التيار الوطني الحر" أقنع أنصاره بأن التحالف مع "الجماعة الاسلامية" التي يختلف معها سياسيا واستراتيجيا وعقائديا مبرر لمحاولة تأمين مقعد هنا أو هناك، كذلك التحالف مع "حيتان المال" لتمويل لوائحه. كذلك فعل "الكتائب" الذي برر لقاعدته الشعبية التحالف مع "القوات"، رغم المواجهات السياسية المحتدمة التي سبقت الانتخابات لازمة للحد من الخسائر. وحدّث ولا حرج عن تحالف "المردة"–بطرس حرب و"المستقبل" مع وزير الدولة لشؤون المهجّرين طلال ارسلان. وقد يكون من الصعب ايجاد التعديلات اللازمة في القانون لضمان عدم تكرار هذه "الخبيصة" في انتخابات العام 2022، لكن ولا شك لن يكون من الصعب تعديل بند الصوت التفضيلي من خلال الغائه، او اعتماد أكثر من صوت للحؤول دون المعارك المحتدمة داخل اللائحة الواحدة ما يؤدي لتضعضع الماكينات الانتخابية والمرشحين والأخطر تهديد فعلي للكيان الحزبي، من خلال تفضيل مرشح على آخر.
ولعل رفع القانون الجديد سقف الانفاق الانتخابي ليصل في بعض الدوائر الى حدود المليون و700 ألف دولار اضافة لـ "ضبابية النص القانوني" بما يتعلق بالانفاق المتعلق بالاعلام والاعلان، يُعتبران من ابرز البنود التي يتوجب ادخال تعديلات الى القانون الذي يهدد بتحويل المجلس الجديد الى مجلس "حيتان مال"، مع ترجيح خبراء انتخابيين وصول أكثر من 43 مرشّحا من أصحاب عشرات ومئات الملايين من الدولارات الى الندوة البرلمانية. وقد قطع هذا القانون اصلا الطريق الى المجلس النيابي امام اي مرشح غير متموّل منذ انطلاق الحملات الانتخابية باعتباره انه غير قادر على مجاراة منافسيه على المستويات كافّة، سواء من حيث المصاريف والخدمات والاعلام والاعلان، هذا اذا لم نتحدث عن الرشاوى وشراء الأصوات.
بالمحصلة، قد يكون من السذاجة في مكان توقع انصراف النواب الجدد الى اتمام التعديلات المطلوبة على القانون في الأشهر او السنوات الاولى من دخولهم الندوة البرلمانية، والأرجح توقع الانصراف الى هذه العملية قبل أسابيع من موعد انتخابات 2022، وهو ما قد يُستخدم كتبرير "عز الطلب" لتمديد تهواه الطبقة السياسية الحالية.