في إنتخابات العام 2009 النيابيّة وقعت بعض الخلافات ضُمن كل فريق من فريقي "8 و14 آذار" آنذاك، بسبب نظرة مُختلفة إلى الأحجام والحصص، لكنّ العنوان السياسي وحّد في نهاية المطاف فُرقاء كل فريق، ودفعهم إلى خوض معركة حادة وحازمة يدًا واحدة ضُدّ الفريق الآخر، وجرى تقييم نتائج الفوز والخسارة آنذاك بحسابات جَماعيّة للنتائج وليس فرديّة. أمّا اليوم، فإنّ قانون الإنتخابات الجديد دَمّر ما تبقّى من تحالفات تحت العنوان السياسي العريض، وأدخل الخلافات إلى قلب وصميم تحالفات السنوات القليلة الماضية، وحتى إلى قلب وصميم الحزب والتيّار الواحد في بعض الأحيان. ويُمكن الحديث عن إهتزاز كبير في العلاقات السياسيّة بين أكثر من فريق يُفترض أن يكونوا ضُمن الخط الإستراتيجي العريض الواحد. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:
أوّلاً: على خط العلاقة بين "حزب الله" و"التيّار الوطني الحُرّ" الأمور ليست على ما يُرام، علمًا أنّ "الحزب" كان الأكثر تمسّكًا بالتحالفات وفق النهج السياسي، بينما جاءت تحالفات "التيّار" مصلحيّة إنتخابيّة ومُتناقضة بين دائرة وأخرى. فالتيار تحالف مع "الحزب" في ثلاث دوائر إنتخابيّة فقط هي "بيروت الثانية" وبعبدا والبقاع الغربي. في المُقابل، تحالف "الوطني الحُرّ" مع "المُستقبل" في أربع دوائر، هي بيروت الأولى، وزحلة، و"زغرتا–بشرّي–الكورة–البترون" و"النبطيّة–بنت جبيل–مرجعيون–حاصبيا". وهذا ما وضعه في مُواجهة "الثنائي الشيعي" في الجنوب الثالثة وزحلة مثلاً، وفي مُواجهة كل من "المردة" و"القومي السوري" كما في الشمال الثالثة. والخلافات ضمن خط قوى "8 آذار" السابقة مع "التيّار" تشمل أيضًا دوائر أخرى، منها "بعلبك-الهرمل" حيث إصطفّ إلى جانب حزب "البعث" ضُد لوائح عدّة، أبرزها لائحة يدعمها "حزب الله"، في الوقت الذي إصطفّ "الحزب" إلى جانب لائحة مُواجهة للائحة "الوطني الحُرّ" في كسروان، من دون أن يُوفّر مرشّحه الشيح حسين زعيتر النائب "العَوني" سيمون أبي رميا من إنتقاداته. واللافت أنّ "التيّار" يُواجه لوائح منفصلة لكل من "الثنائي الشيعي" و"المُستقبل" في بعض الدوائر، ومنها مثلاً "جزين-صيدا" حيث تموضع إلى جانب "الجماعة الإسلاميّة" التي تحالف معها في دوائر أخرى أيضًا من بينها عكار بمواجهة قوى أخرى من "8 آذار" السابقة.
ثانيًا: بالنسبة إلى تحالفات "المُستقبل" مع قوى "14 آذار" السابقة فهي ليست أفضل حالاً، حيث تخلّى "المُستقبل" عن حزب "الكتائب" بشكل كامل، وشكّل لوائح ضُد لوائح "القوّات" في العديد من الدوائر، منها "بيروت الأولى" وزحلة و"الشمال الثالثة" التي تُعتبر دوائر أساسيّة للأحزاب المسيحيّة وبالتحديد لحزب "القوّات". وإختلف "المستقبل" مع "الإشتراكي" على الحُصص الإنتخابية وعلى هويّة المرشّحين في دائرتي "الشوف–عاليه" و"البقاع الغربي" حيث تحالفا إنتخابيًا لكن إختلفا على التفاصيل، الأمر الذي إنعكس سلبًا على تماسك لوائحهما المُشتركة، بينما سيتواجه الطرفان في دائرة "الجنوب الثالثة".
ثالثًا: التصدّعات الإنتخابيّة ضربت العديد من الأفرقاء الآخرين، ولعلّ العلاقات المتدهورة بين "الوطني الحُرّ" و"أمل" هي خير دليل على ذلك، وكذلك بين "الوطني الحُرّ" و"المردة". وفي المَقلب الآخر، ليس من الطبيعي رؤية اللوائح المدعومة من القوات" بمواجهة النائب بطرس حرب في "الشمال الثالثة" مثلاً، أو بمواجهة فارس سعيد في "كسروان-جبيل" أو بمواجهة "الكتائب والأحرار" في بعبدا وفي "الشوف عاليه"، إلخ.
رابعًا: بناء على ما سبق، لا شكّ أنّ الإنتخابات النيابيّة ستتم وفق تموضعات سياسيّة بالنسبة إلى بعض الأطراف في بعض الدوائر، لكنّها ستجري وفق تحالفات إنتخابية ومصلحيّة وحزبيّة ضيّقة في العديد من الدوائر وبالنسبة إلى العديد من القوى والشخصيات. وعند صُدور النتائج مساء السادس من أيّار، لن يكون التركيز على حجم نوّاب كل من فريقي "8 و14 آذار" السابقين، بل على حجم نوّاب كل حزب وكل تيّار. وإذا كانت الإنتخابات النيابيّة ستُعيد تحديد أحجام القوى السياسيّة المُختلفة، فإنّ حكومة العهد الثانية، ستشهد–بحسب التوقّعات، عمليّات شدّ حبال قبل ولادتها، بسبب الخلافات التي باتت مُستشرية بين أكثر من طرف، وبسبب الحزازيّات بين أطراف ما كان يُعتبر في السابق "الصفّ الواحد".
خامسًا: بعد إنجاز الإنتخابات النيابيّة، وبعد تشكيل الحكومة الثانية في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، سيُعاد خلط أوراق خريطة التحالفات السياسية من جديد، حيث تُشير التقديرات إلى أنّ "الوطني الحُرّ" يتجه لإعادة تكليف رئيس "المُستقبل" سعد الحريري رئاسة الحكومة الجديدة، بغضّ النظر عن الحجم الذي ستكون عليه كتلته النيابيّة، باعتبار أنّها ستبقى الأولى ضُمن الطائفة السنّية حتى لو شهدت تراجعًا عدديًا كبيرًا. وفي التقديرات أيضًا أنّ "المُستقبل" ينوي بدوره الإبقاء على علاقاته الجيّدة جدًا مع "الوطني الحُرّ" في المرحلة المُقبلة، إنطلاقًا من التلاقي الثنائي على هدفي "إنجاح العهد الرئاسي" و"إنجاح حكومة الحريري"، وكذلك على هدف الإمساك المُشترك بالسُلطة التنفيذيّة. وبالتالي، وعلى الرغم من بقاء التموضعات السياسيّة الإستراتيجيّة على حالها، لكل من "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل"، ولكل منهما مع القوى الحليفة الأخرى ضمن هذه الخُطوط، فإنّ المصلحة المُشتركة بالإمساك بالحُكم لكل من "التيّار" و"المُستقبل" مرشّحة لأن تُثير سلسلة من المشاكل في المرحلة المُقبلة.
سادسًا: إنّ "حزب الله" الذي سعى جاهدًا لتشكيل لوائح إنتخابيّة تُعيد وجوه مرحلة ما قبل العام 2005 إلى السُلطة، لن يوافق تلقائيًا على أن تكون الحكومة المُقبلة شبيهة بالحكومة الحالية في حال نجحت لوائحه في تحجيم لوائح "المُستقبل" وفي تعويم حلفائه السياسيّين، الأمر الذي سيوجد تضاربا إضافيا بين "الحزب" و"الوطني الحُرّ" الذي يُصرّ على أن تتمثّل الطائفة السنّية بالفريق السياسي الأقوى فيها، لأنّه يدعم هذا المبدأ الكفيل وحده بتعبيد الطريق الرئاسي أمام رئيس "التيّار" وزير الخارجية جبران باسيل في إنتخابات رئاسة الجُمهورية في العام 2022. وبالتالي، سيكون كل من "التيّار" و"الحزب" غداة الإنتخابات، أمام مفصل حاسم، بين إعادة الإستقرار إلى علاقات "الوطني الحُرّ" مع كل من "أمل" و"المردة" وحتى الحزب"، أو إستمرار حال التباعد والجفاء المُتزايد بما يُهدّد أسس التحالف الذي قام في زمن الإنقسام بين مشروعي 8 و14 آذار.
سابعًا: إنّ "تيّار المُستقبل" الذي يخوض المعركة الإنتخابيّة الحالية من مُنطلق الدفاع عن حجمه النيابي والسياسي قبل أي شيء آخر، سيجد نفسه مُضطرًّا بعد الإنتخابات إلى إعادة تصحيح علاقاته مع "الإشتراكي" و"القوات" وغيرهما من الأفرقاء، وإلا سيجد نفسه خارج التحالفات الصلبة والمبنيّة على أسس سياسيّة واضحة. فإستمرار تحجيم كل القوى السياسيّة التي كانت تُعتبر حليفة أساسيّة لتيّار "المُستقبل" بعد الإنتخابات، كما هو حاصل حاليًا، سيُشكّل ضربة قاضية لما تبقى من أسس ومبادئ كانت لا تزال تجمع بين قوى "14 آذار" السابقة.