لا أدري كم من الناس يعتقدون بوجود النحس، إلا أنني متأكد من أن كثيرين يشعرون، أو شعروا لمرة ما، أنهم تعيسون، مُعَاكسون من قبل الكون بأكمله. ليس الموضوع سحرا أو شعوذة، إنما شعور حقيقي ينتابنا عندما لا تسير رياح سفننا بما نشتهي.
وقد قيل: النحس هو أسوأ ما يُبتلى به إنسان أو جماعة من حظ سيء. وقيل أيضا: لو كان للشعوب المتخلّفة حظ لما ابُتليت بالزعماء الذين حكموها ولا يزالون. وأيضا: من حسن حظ الحكام أن الناس لا يفكّرون...
أما العلم، فلا أعلم إن كان استطاع أن يؤكد أن هناك أناس سيئو الحظ لا يبتعد عنهم النحس.
وإذا تأملنا بواقع بلادنا المؤلم، فلن يكون وصفنا له بالمنحوس بعيدا عن الحقيقة. لعلّه النحس يهاجمنا منذ أمد بعيد في وطن الأرز.
أهو النحس الذي أدخلنا في دوامة الطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة والمحاصصة؟
أمنَ النحس تلوث بحرنا بنسبة هائلة وغمرتنا النفايات والمجارير والأمراض؟
أمنَ النحس أنه ليس عندنا صرف صحي فعال وطرقات مؤهلة للحياة؟
أبسبب النحس تزداد الضرائب على الفقراء، ومع الحكام أموال لا تحرقها النيران؟
لعلّه النحس يجعل القضاء عاجزا عن ملاحقة المجرمين الكبار؟
أمن النحس أنه ما زلنا ندفع فاتورتي كهرباء وفاتورتي ماء وفاتورتي هاتف... ويا ليتها مؤمنة كما يجب؟
أمن النحس أنه ما زال شبابنا بلا عمل وشيوخنا بلا ضمانات صحية وأطفالنا بلا مدارس وطنية تليق بهم؟...
نعم أنه النحس!
لكنه لن يصمد طويلا على يبدو أمام الوعود الانتخابية. سيحالفنا الحظ قريبا! حالا بعد الانتخابات سيحالفنا الحظ وتتحقق الوعود؟ فالزعماء خطابهم واحد موحد! سيكافحون الفساد أينما وجد ولن يكون هناك سرقات من بعد. المئة مليار، الديون المترتبة على البلاد ستضمحل. سيجدون مئات آلاف فرص العمل القادمة لا محالة، بمجرد وصولهم إلى الكراسي. سيشيّدون معامل فرز النفايات التي ستحرر الوطن من كل القُمامة وستكون معاملا أنظف من بيوتنا. شيوخنا سيحصلون على ضمان صحي بنسبة 100% وأبواب المستشفيات ستكون جميعها مفتوحة أمام كل مرضانا مجانا، ولن يكون تمييز بين مواطن ومواطن لا من حيث الوظيفة ولا من حيث الدخل ولا من حيث الطائفة أو الدين... وستعرف العدالة طريقها إلى الجميع من حيث الأجور ومعاشات التقاعد... أما النفط فسيجري بحارا في سيارتنا، ولن ندفع فيما بعد إلاّ اليسير القليل ثمن محروقات وكهرباء وهاتف... وستنقلنا القطارات السريعة بأبخس الأثمان إلى حيث نشاء.
نعم، سيحالفنا الحظ قريبا بسبب وعود الزعماء.
لكن للأسف! إنها وعود منحوسة! تلاحقنا أسرع من النحس، وحظنا السيئ يجعلنا نلحقها، إلى أن أصبح أفضل لنا أن نرضى بالنحس الذي نحن فيه على أن نتبع وعود الزعماء!.
فهل نستطيع تغيير هذا الحظ التعيس والتغلب على النحس؟.