بدأت الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975.
تعارك فيها الجميع مع الجميع. كانوا يختلفون أو يتفقون بحسب رغبة الممول وسياسات الجهات الخارجية المتسلطة.
النتيجة كانت ما لا يقل عن مئة وثلاثين ألف ضحية (ومن يعتبر شهيدا هنا يعتبر خائنا هناك!) وعن عشرات آلاف المصابين وعشرات آلاف المفقودين، عدا عن ملايين المشردين في الداخل وإلى الخارج.
بعد 15 سنة على الاقتتال توقفت الحرب تحت ضغط كماشة النظام السوري من جهة والنظام الإسرائيلي من جهة ثانية... ووصفت الحرب بأنها كانت عبثية، ولم يحاكم أحد إلا من حكم عليهم الظلم والاستبداد وقلة الحظ.
يبدو أن الحرب انتهت. ربما انتهت من ناحية مادية. لم تعد تسمع أصوات المدافع والرصاص كل يوم، لكن واقعيا ما زالت قائمة.
إن أفضل ما يشير إلى نهاية الحرب هو إعادة بناء الدولة. فأيّ دولة بُنيت؟ إلى اليوم ما زال اللبنانيون غير متفقين على أي وطن يريدون. فالوطن أوطان والدولة دويلات، لا بل دول وإقطاعيات وحصص. ليس هناك بعد أي رؤية مشتركة يتوافق عليها الجميع. فهذا يريد دولة علمانية، وذلك يريد فيدرالية وآخر يريدها ولاية فقيه، وآخر دولة إسلامية، ولو استطاع غيره لأرادها دولة مسيحية...
إلى اليوم ما زال ولاء الدويلات للخارج أكثر منه للداخل. وكلنا يعرف المشاكل الكبيرة التي يعاني منها محيط لبنان الخارجي.
أما من الناحية الاجتماعية فحدث ولا حرج! لا كهرباء، لا ماء، لا خدمات، لا ضمانات صحية للجميع، طبقية مستشرية، تعليم رسمي متعثر، تعليم خاص باهظ،...
كل هذا جعل من أولياء أمر الوطن غير سائلين عن دولة، فكل واحد ينهبها من ميل من أجل مصالحه الشخصية ومن أجل مصالح دويلته. وبالتالي فإن تكن حرب الرصاص غائبة حاليا فإن حرب السرقة والنهب وشد السجادة دائرة بامتياز وليس من يوقفها.
بالإضافة إلى عدم بناء دولة فما زالت أمور كثيرة تشير إلى استمرار الحرب:
الطائفية التي يعرف الجميع بشناعتها وضرورة إزالتها ما زالت نارا تحت الرماد وما زال اللبنانيون عبيدا لإيديولوجيات متناحرة فكريا ودينيا، ويرفعون شعارات فئوية وطائفية كلما دقّ الكوز بالجرة.
مسلسلات الاغتيالات والحروب المتنقلة بعد 15 سنة من الحرب الساخنة تذكرنا أن إمكانية اشتعال حرب جديدة ساخنة وارد كل حين.
عدم عودة الفلسطينيين إلى بلادهم، لا بل ازدياد عددهم بسبب الحرب السورية، ليضاف إلى عدد النازحين السوريين الذي فاق المليون ونصف نازح، تشير أيضا إلى عدم انتهاء الحرب.
صانعو الحرب ما زالوا هم أنفسهم يحكمون بنار من نوع آخر، ولم تتحقق على أيديهم أيّ عدالة اجتماعية.
السلاح بدلا من أن يُحصر، فها هو قد انتشر أكثر!.
والانتخابات الآتية، بمعظم لوائحها وشعاراتها وتكتلاتها، ألا تذكرنا بـ"شرقية وغربية"؟.
فكيف تكون الحرب قد انتهت؟.
ولعل أكبر دليل أن الحرب لم تنته بعد لأننا ما زلنا نتذكر بداية الحرب في 13 نيسان ونقيم التظاهرات والصلوات ونوزع الورود، بدلا من أن نتذكر نهاية الحرب التي لا نعرف بأي تاريخ انتهت 1989؟ 1990؟ ولا نعرف فعلا أي متى انتهت ونحن على حق بذلك لأنها لم تنته بعد!.
نحن نعيش أجواء حرب باردة، وشعار "تنذكر ما تنعاد" دليل على خوفنا من إمكانية عودتها. وليس لنا إلا متابعة التربية على السلم وعلى احترام الآخر وإلغاء الطائفية من النفوس ومن النصوص، كما ليس علينا إلا الاستمرار بالصلاة ليساعدنا الرب على إنهاء الحرب.