أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاوة بطرس الراعي، في كلمة له خلال اقامة الرابطة المارونية عشاءها السنوي، أن "رئيس الجمهورية ميشال عون ماروني بإتفاق اللبنانيين، لأنه سليل الموارنة الذين بنوا تاريخهم على أرض لبنان، فتماهى تاريخهم بتاريخ هذا الوطن، سقوه بدمائهم وعرق جبينهم، ولم يشاؤه يوما وطنا لهم بل أرادوه للجميع، وما زالوا على هذه الإرادة لكنهم لن يقبلوا لا اليوم ولا أمس ولا غدا، بأن تحتكره أو تتحكم به وبمصيره ودولته وشعبه أية فئة أو طائفة دون سواها، وعندما تكون محاولات من هذا النوع يضعف لبنان في كيانه ومؤسساته وإقتصاده"، لافتاً الى أنه "لا ولاء عند الموارنة إلا للبنان أرضا وشعبا وتراثا وقيما، فهم مؤتمنون عليه أكثر من سواهم، فقد أعطي لهم لعنايتهم ومسؤوليتهم كما كتب شارل مالك في 15 آب 1980 والتاريخ شاهد، هنا تندرج مسؤولية الرابطة المارونية التي تجمعنا في هذه المناسبة وهي مدعوة الى أن تعمل جاهدة من أجل شد أواصر وحدة الموارنة كإنطلاقة من أجل بناء الوحدة الوطنية كاملة، فتعيش إسمها كرابطة، ما يقتضي أن تكون محررة من كل لون سياسي لكي تكون مع الجميع وللجميع وهكذا تتناغم مع نهج الكرسي البطريركي،أن تدافع بكل قواها عن أرض لبنان لإعادة النظر بقانون تمليك الأجانب والمحافظة على كل شبر من أرض لبنان للبنانيين، أن تدافع عن هوية لبنان وثقافته وحضارته برفض التفريط بالإقامة والجنسية والتوطين، لا يكافأ من الأسرة الدولية، لبنان المضيف للاخوة الفلسطينيين والسوريين بحمل كل العبء الإقتصادي والأمني والثقافي والإجتماعي، فيما الأسرة الدولية تغسل أيديها وتمعن في إشعال نار الحروب والمتاجرة بأسلحتهم وتجربة قدراتها بشعوب هذه المنطقة، ولا توجد على الشفاه كلمة سلام".
كما شدد الراعي على "اننا مدعوون لنطالب لهذه الأرض المشرقية بالسلام وهو من حقها، فالحرب ليست طريقا إلى السلام، ولم تكن يوما طريقا إليه.يجب أن تبذل الرابطة المارونية كل الجهود لحماية العيش المشترك المسيحي الإسلامي بالإحترام المتبادل والتعاون المخلص، والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة وإحترام الحضور في المناطق، وتجنب كل ما يثير الحساسيات ويفقد الثقة ويزعزع النوايا، وأن تناضل الرابطة من أجل المحافظة على المال العام ومكافحة الفساد المستشري الذي يعبث بمال الخزينة سرقة ورشوة وهدرا وعمولات وتقاسم أرباح في المشاريع العامة".
وختم بالقول "أجل، هذا هو دور الرابطة المارونية وهي مدعوة لهذا الدور وإلا فقدت مبرر وجودها".
من جهته، أكد رئيس الرابطة المارونية النقيب أنطوان قليموس، في كلمة له خلال اقامة الرابطة المارونية عشاءها السنوي، أنه "يحل العشاء التقليدي الذي تنظمه الرابطة المارونية كل عام، ولبنان على عتبة إستحقاقات مصيرية قد يتوقف عليها مستقبله في طالع الأيام، إنتخابات نيابية تجري على أساس قانون جديد لا يمكن الحكم عليه قبل صدور النتائج، وتحليل ما سيحدثه من تحولات على الأرض، ومعرفة الوجوه التي سيحملها إلى المجلس النيابي، وضع إقتصادي ومالي بالغ الخطورة والتعقيد، يهدد بالإنهيار الشامل إذا لم يجر تداركه بتدابير جذرية تبقى على مرارة مذاقها، أرحم من الأورام الخبيثة التي تتوثب لسلب ما تبقى في جسم الوطن المنهك من قدرة على إعادة النهوض، فساد مستشر ينهش إدارات الدولة ويستنزف ضرع الخزانة العامة نسمع كلاما كثيرا عن مكافحته، لكننا نصدم بإستمراره ثابتا وإصراره على الإطلالة بألف وجه وصيغة، وكأنه بات قدر لبنان هجرة دائمة للأدمغة والطاقات تقود المجتمع إلى شيخوخة محتمة".
وأشار الى أنه "ليست صورة سوداوية ما أطرح، لكن واقعية، ومن منطلق مسؤوليتي في الرابطة المارونية وهي رابطة الموارنة جميعا، بما تضم من هامات وقامات، وتزخر من إمكانات وطاقات، أرى أن الواجب يدفعني إلى الإضاءة على هذه الأخطار لا الإستسلام لها، والرضوخ لتداعياتها المحتملة والإنصياع لمشيئة المسببين لها، بل للتفكير في كيفية الخروج منها والحد من الأضرار المتفاقمة والعمل على تطويقها قبل فوات الآوان"، معتبراً أنه "تعب اللبنانيون عموما، والمسيحيون خصوصا، من عيش حالة القلق الدائم على المصير والهوية، بدلا من عيش حال الإسترخاء وإنتظار مستقبل مشرق لهم ولأولادهم. ففي حالة القلق، علينا أن نفرق بين القلق المكبل الآسر، وبين القلق المثمر والقلق المستهلك، بين القلق الإيجابي والقلق السلبي، بين قلق المرتعد وقلق القائد".
كما رأى أن "التطور الحقيقي القادر على صنع المستقبل المشرق، يحتاج أولا إلى الإيمان بقضية ومثل أعلى، وإلى زعيم ملهم وملهم، وإلى كوادر قدوة في الدينامية وروح المبادرة وحسن المسؤولية وتجانس القول والفعل لديهم"، لافتا "الى أن التاريخ صراع إرادات، لكن ليس الإرادات المعلقة في الهواء أو العائمة في فراغ، بل الإرادات الواعية الفاعلة"، مشدداً على أنه "من الواجب علينا الإبقاء على روح المجابهة حية لدينا، لأن تحديات الحياة والعصر والزمن الذي نعيشه تتطلب الإستجابة أحيانا لروح المجازفة المحسوبة، لا التسليم بالأمر الواقع. فالحق الذي لا تدعمه قوة مآله إلى زوال، وأن القوة غير المستندة إلى الحق مصيرها إلى التلاشي مهما طال الزمن، لذا علينا بناء القوة الوطنية والإرتقاء بها إلى أصالة الحق بحيث تستطيع حمايته والدفاع عنه في التصدي لجميع التحديات".
واعلن قليموس أنه "إلى جانب كونها أول من دق ناقوس الخطر بالنسبة لتداعيات النزوح السوري ورصدها للخلل اللاحق في حقوق المسيحيين في إدارات الدولة، ومواجهة الإفتئات على هذه الحقوق، قدمت الرابطة المارونية من خلال حس المسؤولية لديها تجاه من تمثل، وتجاه المجتمع اللبناني بمجمله مشروع قانون إنتخابي، يحسن التمثيل بالمطلق ويحصن التمثيل المسيحي ويفعله، ويرفع بعض الغبن الذي حل به جراء القوانين المتعاقبة، إلا أن الأفرقاء والسياسيين لم يروا فيه مصلحتهم، فكان القانون الذي نحن بصدده، والذي تنافس البعض على أبوته، فيما تهرب البعض الآخر من هذه الأبوة، إلا أننا، ومن أجل نقل الوضع السياسي من مرحلة الجمود قبلنا به، على أمل أن يخرجنا من بعض القلق، وأن يحقق بعض التغيير في الطبقة السياسية"، منوهاً الى أنه "على هذا الأساس، نناشد الناخب اللبناني عموما والمسيحي خصوصا والماروني تحديدا، أن يعي المسؤولية التاريخية التي يحملها هذا الإستحقاق، فإما حياة متجددة أو تعفن قاتل، وعهدنا أننا أبناء الحياة لا حدود لطموحنا، ولا سدود دون إبداعنا. فلنجتهد ليحمل هذا الإستحقاق تحريرا لإرادتنا من أي قيد هامشي أو نزوة عابرة، وصولا إلى ما تطمح إليه نفوسنا الكبيرة من تغيير نوعي، يؤسس للوطن القوي المشرق بعقول أبنائه والشامخ بأرزه".
وتابع بالقول أنه "بالنسبة إلى المرشحين لهذه الإنتخابات، فإننا على يقين بأنهم مدركون للمسؤوليات الجسام التي تنتظرهم في ما لو وصلوا إلى الندوة النيابية التي اشتاقت للمحاسبة والتشريع المواكب لحاجات الوطن. ولي ملء الثقة بنية رئيس الجمهورية ميشال عون وإرادته في تذليل الصعاب، وإزالة المعوقات التي تحول حتى الساعة دون قيام دولة القانون والمؤسسات التركة ثقيلة والعمل شاق"، مؤكدا ان "تعاون أركان الدولة جميعا واجب، والإبتعاد عن التجاذبات والمناورات من الأولويات التي توفر المناخات المطلوبة لمسيرة الإصلاح الجذري لإعادة الأمل والثقة إلى اللبنانيين جميعا، وان أي تأخير على هذا الصعيد سيؤدي إلى إنهيار هيكل الوطن على رؤوس أبنائه جميعا دون إستثناء أو تمييز، وعندها سنبكي كلنا لبنان الذي لم نعرف أن نحافظ عليه كما يحافظ البررة على أوطانهم".