لفت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية عناية عزالدين خلال افتتاح مؤتمر "اليوم العربي للشمول المالي 2018: تعزيز الشمول المالي عبر استعمال الخدمات المالية الرقمية في لبنان" في المعهد العالي للاعمال إلى انه "يسرني أن أكون معكم اليوم في مؤتمر اليوم العربي للشمول المالي 2018 والذي يسلط الضوء على "استعمال التكنولوجيا والخدمات الرقمية في سبيل تعزيز الشمول المالي وفي هذا الاطار، لا يسعني الا أن أشكر مصرف لبنان على تنظيمه لهذا اللقاء الهام وعلى جهوده الحثيثة من أجل تعزيز الشمول المالي في لبنان ونشر الوعي حوله. ومما لا شك فيه أن جمع كافة الأطراف المعنية بهذا الموضوع للتواصل في ما بينها ومشاركة تجاربها في استعمال التكنولوجيا الحديثة سيكون له الأثر الأنجع في إيجاد الحلول البناءة لتحقيق الشمول المالي في لبنان".
وأضافت: "نتفق جميعا على ما للتكنولوجيا الحديثة من أهمية في تحفيز الاقتصاد الوطني. فبعدما أكد البيان الوزاري لحكومة استعادة الثقة أنها تولي أهمية خاصة لقطاع تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات لما يمتلكه من قدرة تحفيز للاقتصاد الوطني ولكونه مدخلا أساسيا للاقتصاد الجديد المسمى اقتصاد المعرفة حيث لبلدنا إمكانات غير محدودة بما يملكه من رأسمال بشري وقدرة اللبنانيين المعترف بها دوليا على الإبداع والمبادرة والابتكار، وهو ما يدفعنا لتحسين الخدمات نوعا وكلفة وسرعة في هذا المجال، قامت وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية بإطلاق مشروع الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في آذار الفائت برعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقوامه تحويل الدولة بإداراتها ومؤسساتها المختلفة إلى مؤسسة رقمية تكون فيها البرامج الرقمية في الإدارات المختلفة قابلة للتواصل في ما بينها بدل أن تعمل كجزر متفرقة ومنعزلة كما هو الوضع عليه اليوم. فضلا عن ذلك، فقد تم إدراج هذا المشروع ضمن الإصلاحات التي التزم لبنان بتنفيذها في مؤتمر "سيدر".
وتابعت: "غني عن القول إن مشروع التحول الرقمي سينقل لبنان من الطور التقليدي في التعاطي بين المواطن والإدارة الى طور أكثر حداثة وشفافية وأكثر انسجاما مع التقدم التكنولوجي الحاصل في عالمنا اليوم الذي تعتبر التكنولوجيا فيه المفتاح الأساس لإنجازات أكثر بكلفة أقل (make more for less)، حيث أن تكلفة العملية التجارية الإلكترونية أقل بعشرين مرة من تلك التي نقوم بها عبر الهاتف، وأقل بستين مرة من الخدمات التي نقوم بها وجها لوجه ومن هنا تكمن أهمية هذا المشروع بالنسبة للشمول المالي والذي من تعريفاته، أنه إدخال أو دمج للفئات المهمشة ماليا، والتي لا يسمح لها دخلها المالي المنخفض من الانخراط في عمليات النظام المصرفي، بالتعامل مع الجهاز المصرفي من خلال منظومة العمل الرقمية أو بمعنى آخر إتمام جميع التعاملات المالية بطريقة إلكترونية. فقد أظهرت بحوث البنك الدولي الخاصة بالمؤشر العالمي للشمول المالي للعام 2017 بأنه ما زال هناك نحو 1,7 مليار بالغ في العالم لا يمتلكون حسابات، أي ليست لديهم حسابات في مؤسسات مالية أو من خلال شركات تقديم الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول وجميعهم يعيشون في البلدان النامية. ويمثل النساء 56% من إجمالي البالغين الذين ليست لديهم حسابات مصرفية".
وأشارت إلى أن "الفجوة بين الجنسين في امتلاك الحسابات المصرفية ما زالت قائمة في البلدان النامية وهذه الفجوة التي هي بواقع سبع نقاط مئوية لم يطرأ عليها أي تغيير تقريبا منذ عام 2011. إن هذا الأمر لم يعد مقبولا في عصرنا هذا حيث أثبتت المرأة بأنها لا تقل كفاءة عن الرجل لا بل تتفوق عليه في أماكن عدة لا سيما إذا أعطيت الفرصة في العلم والاستقلالية المادية مثلها مثل الرجل".
وأضافت: "من المعلوم أن تحقق الشمول المالي مرتبط بتوافر القدرة لدى الأفراد والمؤسسات على الحصول على الخدمات المالية واستخدامها بفعالية بطرق بسيطة وشفافة ومسؤولة وبأقل التكاليف. وهذا ما يجب العمل عليه في لبنان بالاضافة الى ضرورة انشاء بيئة حاضنة تشريعيا وسياسيا وتقنيا حيث يجب أن تترافق التكنولوجيا الرقمية بنظام متطور للمدفوعات وبنية تحتية متطورة وتشريعات ملائمة وإجراءات وقائية صارمة لحماية المواطن ومستخدم الخدمات الالكترونية".
وقالت: "يهمنا أن نلقي الضوء على بعض الأسس التي ارتكزت عليها الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي والتي من شانها أن تخدم الشمول المالي:
1- تبني الاستراتيجية لمجموعة ضوابط ومعايير عالمية تراعي أهمية الأمن المعلوماتي الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي والسيادة الوطنية لا سيما وأن المعلومات (Data) تعتبر اليوم المادة الأولية في عصر الرقمية وإحدى أكبر ثروات الحكومات الحديثة.
2- تمكين المواطنين من انجاز ما يريدونه من خدمات عبر شبكات الانترنت (End to End) في مسار متكامل من لحظة طلب الخدمة الى لحظة الحصول عليها.
3- العمل على إنشاء منصات موحدة (Common Digital Platforms ) الأمر الذي من شأنه تسهيل التعامل مع المواطن وتعزيز تجربته الرقمية وتحسين جودة الخدمات المقدمة.
4- وضع الأسس لمراعاة الحفاظ على خصوصية المواطنين مع ضمان عدم الإساءة في استخدامها وعدم إعطائها لأي جهة إلا من خلال آلية واضحة تضمن الحصول على موافقة المواطن.
5- وضع أسس للتشاركية مع كل الأطراف ذات الصلة بالتحول الرقمي سواء داخل الدولة أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني والجامعات".
وأشارت عزالدين الى أن الدراسات تؤكد أن "إشراك الناس في القطاع المالي الرسمي يسهم ليس فقط في تحسين معيشتهم وإنما أيضا في سلامة الأنظمة المالية ذاتها. فالأزمة المالية العالمية ألقت الضوء على هشاشة الأنظمة المالية وأهمية الربط بين الشمول المالي والاستقرار والنزاهة وحماية المستهلك المالي. ومن هنا، وانسجاما بما التزمت به حكومة استعادة الثقة أتممنا العمل في وزارة التنمية الادارية على مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومخططها التنفيذي، وقد تم الاعلان عن هذا المشروع في مؤتمر وطني يوم الثلاثاء الفائت برعاية دولة رئيس مجلس الوزراء. وفي خطوة من شأنها تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد تم اصدار قانون حق الوصول الى المعلومات في بداية العام 2017 رقم 28/2017. واللافت ان التجارب العالمية تظهر ان الدول العشر الاوائل في التحول الرقمي هي نفسها الدول الاوائل في العالم في مكافحة الفساد، ونتمنى ان يأتي مشروع الشمول المالي مكملا لهذه الثنائية بين الاستراتيجيتين المذكورتين.
إلا أن الاهم يبقى ان تكون مقاربتنا على هذه المستويات كافة مقاربة جوهرية تتوجه مباشرة الى المواطن اللبناني على اعتباره صلب هذه الاستراتيجيات والمشاريع. فكما ان المطلوب على مستوى التحول الرقمي ومكافحة الفساد هو اجراء المصالحة بين المواطن والدولة اللبنانية فإن المطلوب في مشروع الشمول المالي وغيره من المشاريع ذات الطابع المالي ان نعيد النظر في علاقة القطاع المصرفي بالناس، بالمواطنين. وايضا اعادة النظر بعلاقة القطاع المصرفي بالدولة. ويجب التوقف عن الاحتفال فقط بنمو هائل بالودائع وبعدد المقترضين من المصارف لان عدم مواكبة هذا النمو بسياسات مالية صحيحة وبرؤية اقتصادية انتاجية، من شأنه أن يخلق الأزمات المتتالية للاقتصاد اللبناني كما هو عليه الحال الآن".
وختمت: "المطلوب اليوم ان تتحول العلاقة الى علاقة تخدم التغيير في وجهة الاقتصاد اللبناني باتجاه الاقتصاد المنتج والمسؤول الذي لا يعتمد حصرا على التحويلات من الخارج، اقتصاد يؤمن التنمية المستدامة العادلة والمتوازنة وذلك من اجلنا جميعا في مختلف القطاعات والمناطق والمستويات والطبقات الاجتماعية.
وأتمنى لمؤتمركم كل النجاح والتوفيق وأن تثمر جهودكم وجهودنا أعمالا تسهم في تطوير القطاع المالي والاقتصاد الرقمي بما يحفز التنمية المستدامة والحكم الرشيد".