لن أمنح صوتي لمَن بُحَّ صوته وهو يحاول إقناعي أن خياره يحمي لبنان، وأن الخيارات الأخرى هدَّامة وعميلة ومشبوهة، حتى أرى إليه اليوم يشبك يديه بأيدي عرَّابي تلك الخيارات لدخول الندوة البرلمانية.
لن أمنح صوتي لمَن يرفع اليوم شعار بناء الدولة القوية والعادلة وهو الذي أزال مفهوم الدولة من قاموسنا ورؤوسنا، واختصرها بشخصه، فبات بوابة العبور الإلزامية إلى الوظيفة والخدمات ولقمة العيش.
لن أمنح صوتي لمَن ينادي باجتثاث الفساد وإصلاح الإدارة، وهو على مدى عقود من الزمن كان يشرِّع الفساد، ويُحكم قبضته على الإدارة، من خلال الأزلام والمحازبين، فبقي المواطنون وحيدين يصارعون المرتشين وتجار الخدمات.
لن أمنح صوتي لمَن أغدق عليَّ الوعود الكاذبة قبل تلك الدورات الانتخابية المشؤومة، والتي كنت قبلها ألعنه، وبقيت بعدها ألعنه، وأنا اليوم كذلك، وهو يراهن بأني قد استنفذت كل مصطلحات الشتيمة، ولا بأس لديه إن بقيت شتَّامًا، فالمهم لقب "صاحب السعادة"، حتى ولو كان مسبوقًا بلعنة ومتبوعًا بأخريات تتكاثر على مدى أربع سنوات أو أكثر.
لن أمنح صوتي لمَن لا ضيْر لديه لو بقينا قبائل لا همَّ لها، قبل موعد الانتخابات وبعده، إلا الشكوى والسخط على الوطن ومَن فيه، ولا يصبح الوطن زهريًا بنظرها إلا في موسم الانتخابات، فتُسقط اللعنة عن السياسيين، ويصبحون من جنس الملائكة، فالملائكة لا تجوز اللعنة عليهم في أيِّ حال.
لن أمنح صوتي لمَن ينادي بالديمقراطية ولم تقرب قدماه من بوابة مدرستها، فيحاضر أمامي، أنا المواطن الجاهل وقصير النظر وفاقد الأهلية، بالشراكة والعيش الواحد، وكل حرف من قوله كفيل بإشعال حرب أهلية.
لن أمنح صوتي لمَن يعدني بالكهرباء والماء والصحة، وينسى أنه وعدني بها منذ عقود ولم يفِ بوعده، معتقدًا بأني أتيت لتوي من كوكب آخر.
لن أمنح صوتي لمَن حوَّلني شتَّامًا مُعدمًا، قليل الحيلة، وفاقد الأمل، ورمى بأولادي في غياهب القلق، والغربة، والضياع، والبطالة والمجهول، والخوف على المصير.
لن أمنح صوتي لمَن لا يرى في كفاءتي إلا مركب نقْص في أتباعه، فيحول بيني وبين ما أستحق، ويعوِّض على ناقصي العقل والجدارة، من أزلامه، بالوظيفة وإدارة أمور العباد.
لن أمنح صوتي لمَن فجَّر مآقي الدمع في عيون أمهات العسكريين الشهداء وآبائهم وأبنائهم، وأطال أمد عذاباتهم وانتظاراتهم، ورقص على أوجاعهم لكسْب المال والنفوذ.
لن أمنح صوتي لكلِّ نائبٍ مرشَّح لم يتورَّع عن إهدار حقوق العسكريين المتقاعدين الذين حفظوا دماء اللبنانيين وسلْمهم الأهلي وصانوا حدود بلدهم من الإرهاب بوجَهْيه الصهيوني والتكفيري.
لن أمنح صوتي لمن أذلَّ الذين علَّموه فكَّ الحرف، وأجبرهم على الاستجداء ليحصلوا على ما يؤمِّن لهم قوتهم والحياة الكريمة لأسرهم، ولم يعرف أن رواتب المدرِّسين في كثير من الدول تفوق رواتب السياسيين.
لن أمنح صوتي لمَن يرقص على أوجاعي، ويرى أن ثمن كلَّ هذه الأوجاع لا يعادل ثمن خسَّة، أو خطبة رنانة جوفاء، أو تقديم واجب عزاء.
لن أمنح صوتي لكل هؤلاء وأشباههم، ومَن لديه سبب وجيه يدفعني للعدول عن قراري، فليأتني به.