حربُ الإلغاء التي يتعرّض لها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر، في موسم الانتخابات الذي يستحق موعده بعد أيام، ويواجهها بجدارةٍ وجسارة، ليست وليدةَ المصادفة، فلطالما سعى خصومه الظاهرون منهم والمستترون، إلى شطبه من المعادلة السياسية، أوّلاً لتقدّمِه دوماً عليهم في خدمة اللبنانيين عموماً والمتنيين خصوصاً، حيث امتهَن السياسة وتعاطى الشأنَ العام لخدمة الناس، وليس لاستغلالِهم كما يفعل كثيرون، للوصول إلى غايات مكتومة أو معلومة. وثانياً لأفكاره العملية التي كان يطرحها في الملمّات، وغالباً ما كان يؤخَذ بها فيتجاوز البلد أزماتٍ عقيمة على مختلف الصُعد خلال العهود الرئاسية التي عاصَرها صانعاً لبعضِها أو مشاركاً في صنع البعض الآخر...
يوحي ما يدور على ساحة دائرة المتن الشمالي انتخابياً وسياسياً أنّ الأحزاب أجمعت في المتن، أوّلاً لـ«تصفية حساب» مع آل المر، هي في الحقيقة ليست «تصفية حساب» وإنّما هي عبارة عن حقدٍ وكيدية سياسية وغيرة قاتلة تتآكل نفوسَ خصومهم، وتعبّر عن مركّبات نقصٍ لديهم تجاه القامة الوطنية الكبيرة التي تتجسّد بأبو الياس، وثانياً لأنّ آل المر من خلال حيويتِهم الشعبية المتنية والوطنية، ومن خلال التصاقِهم بالحالة الجماهيرية المرتبطة بهم على مدى عقود كانوا وما زالوا عصيّين حتى الآن على قرارات البَلع التي تنفّذها أحزاب وقوى سياسية متعدّدة ضد البيوتات السياسية، وهذا الامر اتفقَت عليه بعض الأحزاب على رغم عدم التحالفِ في ما بينها انتخابياً وسياسياً، فضلاً عن أحزابٍ أُخرى تمارس الخذلان ضد أبو الياس للمرة الأولى خارجةً عن التحالف التاريخي معه.
على أنّ القانون الانتخابي الحالي الذي يعتمد النظام النسبي وتمّت إزاحته عن مواضعه باختراع «الصوت التفضيلي» و«الحاصل الانتخابي» فتحَ المجال أكثر لكي تتكرّس الاحزاب على حساب البيوتات السياسية، لكنّ السلطة تحارب آل المر في المتن، فيما تتحالفَ مع آل البون وآل فرام في كسروان ـ جبيل، وهذا التصرّف إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ إلى أنّ زعامة أبو الياس وآل المر عصيَّين على التطويع، وأكبرُ دليل الى تلك الرغبة الجامحة في محاولة إقفالِ هذا البيت السياسي هو استخدام المرشّح المليء مالياً سركيس سركيس، للتأثير على إرادة المتنيين وخياراتهم الانتخابية، بالإضافة الى محاولة فرضِ حصار أوسع على أبو الياس، خصوصاً أنّ البيت السياسي لآل المر لا يمثّل حالةً بيتية، وإنّما يمثّل حالة أرثوذكسية وحالة وطنية، وكان شريكاً في التاريخ الوطني المعاصر بصُنعِه أكثرَ مِن عهد رئاسي في العقدين الأخيرين، وكذلك بالشراكة في صناعة عهود أُخرى قبل ذلك، علماً أنّ هذا البيت السياسي أصبح جزءاً من الشخصية التاريخية للمتن الذي يمثّل قلبَ الحيوية اللبنانية والتجربة الانصهارية مع كلّ المحيط، ولكن في الوقت نفسه مع الحفاظ على الخصوصية، وهذا الأمر تقدّم به المتن كثيراً على سائر المناطق.
ولهذا السبب كان الجهد الاستثنائي الملفِت لمحاولة المقاربة الإلغائية ليس لآل المر ولأبو الياس كأشخاص أو نوّاب فقط، بل للظاهرة في حدّ ذاتِها وما تحمله من معانٍ سياسية ومن إرثٍ تاريخي سياسي وشعبي ووطني. ولا ننسَ هنا أنّ أبو الياس كان أبرزَ صانعي وعرّابي عددٍ من العهود الرئاسية والاتفاقات السياسية التي جنّبت لبنان كثيراً من الأخطار والويلات.
ولكلّ هذه الأسباب تكسبُ المعركة الانتخابية في المتن تحدّياً خاصاً، إذ يخوضها أبو الياس واثقاً من الفوز في مواجهة خصومِه متسلّحاً بوفاء المتنيين الذين ما خَذلهم يوماً ولا هم خذلوه في أيّ استحقاق أو محطة مفصلية في حياة المتن ولبنان، فضلاً عن تسلّحِه بنهج الاعتدال الذي ما غادرَه يوماً وجعله على صلة وانفتاح دائمين على الجميع مطلِقاً المبادرات في بعض المراحل الصعبة والتي مكّنت لبنان من اجتيازها في سلام. علماً أنّه ما تردَّد يوماً في استثمار علاقاته العربية والدولية في كلّ ما يفيد البلد على كلّ المستويات.
وعلى أنّ تصرّفات بعض الخصوم إزاء ابو الياس تكشف حالة «الهَوَج» التي تضرب أداءَ بعضِ القوى الكبرى في الانتخابات الحالية، بدليل أنّ عدداً من الأفرقاء الذين يخوضون الآن حرب الإلغاء السياسية ضد أبو الياس طامحون إلى تقديمِ أنفسِهم ورثةً للزعامة الأرثوذكسية ليس من الباب الحزبي فحسب وإنّما من باب الرأسمال والارتباطات الخارجية. في حين أنّ أبو الياس مثّلَ دوماً ولا يزال زعامةً أرثوذكسية ومسيحية ولبنانية، زعامةً عابرةً للطوائف والمناطق إلى لبنان كلّه.