كثيرة هي التحاليل التي تتحدّث عن حسم العدد الأكبر من المقاعد النيابية في أغلبيّة الدوائر الإنتخابيّة قبل بدء عمليّات التصويت، وعن فوز هذه اللائحة أو تلك بعدد مضمون من "الحواصل الإنتخابيّة" وبالتالي من المقاعد حتى قبل إنطلاق المعركة الإنتخابيّة، وعن حصر المُنافسة الديمقراطيّة بعدد محدود لا يتجاوز ثلث مقاعد المجلس النيابي. فهل هذا الأمر صحيح؟
أوّلاً: إنّ الإنتخابات النيابيّة تحصل للمرّة الأولى وفق مبدأ "التصويت النسبي" وليس وفق مبدأ "التصويت الأكثري"، وبالتالي ما يُبنى عليه من إحصاءات سابقة تعود لقانون مُختلف تمامًا من حيث الشكل والمضمون، وهذا أمر يقود إلى إستنتاجات غير دقيقة إطلاقًا، باعتبار أنّ حسابات القانون النسبي، مع ما لمسألة "الصوت التفضيلي" من أهمّية، تختلف تمامًا عن حساب التصويت الأكثري واللائحة التي يُمكن شطب أي إسم منها أو إضافة أي إسم إليها.
ثانيًا: إنّ مئات آلاف الناخبين هم من الناخبين الجُدّد الذين بقوا خارج أي عمليّة إقتراع نتيجة التمديد المُتلاحق لأكثر من مرّة لمجلس النوّاب الحالي، حيث سينضم هذه المرّة كل الناخبين الذين بلغوا 21 من عمرهم إعتبارًا من منتصف العام 2009، وتباعًا بعد ذلك. وبالتالي، يُوجد مئات آلاف من الناخبين الجُدد الذين هم من الجيل الشاب سينضمّون إلى العمليّة الإنتخابيّة، من دون أن تُعرف توجّهاتهم السياسيّة بدقّة، وإن كانت نتائج الإنتخابات الطلابيّة في المعاهد والجامعات تُعطي فكرة أوّلية عن ذلك، لجهة إستحواذ بعض الأحزاب الرئيسىة على النسب الأعلى من تصويت هؤلاء.
ثالثًا: إنّ التحالفات الإنتخابيّة في آخر دورة نيابيّة تمّت وفق إنقسام عمودي واضح بين فريقي "8 و14 آذار"، بينما التحالفات الإنتخابيّة الحاصلة اليوم هي سياسيّة بالنسبة إلى بعض الأحزاب وفي بعض المناطق، لكنّها محض مصلحيّة ومناطقيّة بالنسبة إلى أحزاب أخرى ودوائر أخرى، والأمثلة بالعشرات، ما يجعل من الصعب إحتساب ما يملكه كل طرف من أصوات داعمة، باعتبار أنّ الكثير من الداعمين السابقين إنتقلوا إلى ضفّة أخرى أو ربّما صاروا خارج المعركة الإنتخابيّة. وهذه المسألة تقود بدورها إلى حسابات سياسيّة غير صحيحة بالنسبة إلى توجّهات الكثير من الناخبين الذين كانوا يُصوتون في السابق ككتلة واحدة ومُتراصة لصالح هذا الحزب أو التيّار أو الشخصيّة السياسيّة.
رابعًا: لا يُمكن معرفة كيف سيتقبّل الناخب الحزبي تغيّر التحالفات، ولا يُمكن معرفة كيف سيتعاطى الناخب الوسطي مع التحوّلات أيضًا. فهل مثلاً من صوّت للنائب السابق منصور غانم البون عندما كان رأس حربة في لائحة مُعارضة للجنرال ميشال عون شخصيًا سيُصوّت له وهو حليف على لائحة "التيّار الوطني الحُرّ"؟ وهل مثلاً من دعم النائب بطرس حرب عندما كان رمزًا رئيسًا لمُستقلّي قوى "14 آذار" السابقة سيدعمه وهو في تحالف مع "تيّار المردة"؟ وهل من صوّت للنائبة جيلبيرت زوين أو النائب إلياس خليل عندما كانا محسوبين على لائحة "التيّار" سيُصوّتان لهما عندما صارا على لائحة مُنافسة؟ وهل من صوّت للنائب رياض رحال عندما كان مع "تيّار المستقبل" سيُصوّت له عندما صار على لائحة مُنافسة؟ والأمثلة لا تنتهي ولا مجال لتعدادها كلّها!
خامسًا: إنّ الإحصاءات التي يتم إجراؤها غير دقيقة إطلاقًا، وأكبر دليل على ذلك هو نتائجها المُتناقضة بشكل مُثير للإستغراب. فالقاعدة الأولى التي يجب أن تنطلق منها الجهات التي تُجري الإحصاء هي توفّر عيّنة مُمثّلة فعليًا للشعب اللبناني، لأنّ الإحصاءات التي تتمّ في الخارج تشمل عيّنات مُتجانسة، بينما في لبنان إنّ تركيبة الشعب اللبناني مُعقّدة جدًا طائفيًا ومذهبيًا، ما يجعل من أيّ إحصاء يشمل عيّنة محدودة من الناخبين غير دقيق. من جهة ثانية، إنّ الكثير من المُستفتين اللبنانيّين يُعطون إجابات غير صحيحة للأشخاص الذين يستفتوهم على الهاتف، وهم لا يكشفون عن حقيقة توجّهاتهم الإنتخابيّة والسياسيّة، إمّا خشيّة أو رغبة في الإحتفاظ بخُصوصيتهم أو لأنّهم لا يثقون بالجهة التي تسألهم، إلى ما هناك من أسباب.
في الخلاصة، إنّ الحديث عن حسم هذا العدد من المقاعد لهذه اللائحة أو تلك، أو عن حسم فوز هذه المجموعة من المرشّحين أو تلك، يدخل في سياق الحرب الإعلاميّة والمعنويّة لا أكثر ولا أقلّ. ويُمكن القول إنّ الكثير من الحسابات الإنتخابيّة التي يتمّ الترويج لها غير صحيحة، ونتائج الإنتخابات ستتسبّب بالتأكيد بكثير من المُفاجآت لكثير من الأطراف.