ما أن وضعت هذا العنوان على صفحات البيان، حتى انهالت الردود بالموافقة والاستحسان. فذاك استدعى الورود والإعجاب (اللايك) لتكون شاهدة عيان، وآخر طلب أن يعمل شير (مشاركة) ليظهر الحق للعيان...
أما البعض فقد طلب شرحا وله الحق بذلك، كحق كل إنسان.
بطبيعة الحال، ليس الكلام في هذه المقولة عن الزنا الجسدي، إنما عمّا يشبهه في العلاقة السياسية والوطنية بين المواطنين والحكام.
فإذا كان الزنا الجسدي هو إقامة علاقة جنسية كاملة مع شخص آخر غير الشريك الشرعي، فإن الزنا "الوطني" السياسي، هو إقامة علاقة انتخابية آنيّة مع شخص دون أن يكون هناك شراكة حقيقة معه، إنما علاقة عابرة فرضتها الظروف. وإن كان سبب الزنا الجسدي شهوة الجسد، فإن سبب الزنا السياسي هو شهوة المال وشهوة التسلط وما إلى ذلك.
من أبشع أنواع الزنا، هو الزنا بالاغتصاب. لن أتحدث هنا عما تحدث عنه كثيرون من قبلي حول اغتصاب الحكام للسلطة من خلال التمديد لذواتهم من غير حق، إنما أتحدث عن العلاقة الانتخابية الحالية.
فإن أعطى المواطن صوته لمرشح، بسبب شهوة المال أو السلطة أو الجاه، أو ما إلى ذلك، يمكن اعتباره زانيا بحق الوطن، لأنه لم يحكّم ضميره إنما حكّم شهوته. وبالتالي على كل إنسان أن يحكّم ضميره ويسأل ماذا فعل هذا المرشح للوطن وليس ماذا فعل لي شخصيا.
أما إذا أعطى صوته لأحدهم تحت الترهيب خوفا من مخاطر قد تصيبه، ففي هذه الحال يكون هو المُغتصب وعليه بأن يثور ضد مغتصبيه ولو كلفه ذلك الكثير، لأن الحياة وقفة عز كما يقال.
وإن كان ضرر الزنا الجسدي الذي تختلف نسبته من ثقافة إلى أخرى (وهو ليس خطأ مهما في بعض الحضارات)، وهو يصيب أشخاص معينين ومحدودين، وهو خطيئة مغفورة بعد التوبة والندامة، فإن الزنا السياسي يصيب الوطن بأكمله وهو ضرر على جميع المواطنين، ضرر كبير عابر لكل الثقافات، وضرر يستمر لفترة طويلة، وخطيئة يصعب غفرانها! بالتالي مقارنة مع الزنا الجسدي فهو أفظع بكثير.
أما أشد الأمور فضاعة فهو أن مجتمعاتنا ما زالت تركز على الزنا الجسدي وتحرّمه، ولا تشير إلا من باب رفع التعب إلى الزنا السياسي!!
فنحن عندما نرى شابا أو صبية يقفان معا يتحادثان تقوم قيامة الأخلاق والأديان، وكأن الخطايا سقطت على جميع بني البشر وانقرضت الطهارة من الأرض، وامتلأت الدنيا بالزناة والفاسقين. أما أن نرى الزنا السياسي في التصويت دون قناعة ولاستفادة عابرة، والرشاوى على مد عينك والنظر لشراء الأصوات وكم الأفواه وسرقة الوطن، فقليلون جدً الذين يرفعون الصوت ويحرّمون! فلو كان نحرّم الزنا السياسي ونرجمه بقدر ما نحرم الزنا الجسدي لكنا حققنا إنجازا مهما.
مع الأسف، ما زال بعضنا يرى المحرمات في بسمة من هنا أو قبلة من هناك أو وقفة اختلاء، ولا يرى بسمة الاحتقار بوجه المُعدمين والشحاذين والفقراء، ولا قبلة يهوذا التي تتكرر على جبين الوطن، ولا اختلاء الكبار لتمرير الصفقات.
ولعل من أجمل التعليقات المازحة التي وردتني: "إذا زنينا بأصواتنا فإن كل المنتخَبين سيكونون أولاد حرام! أرادها صاحبها مزحة ولكنها وجهة نظر مصيبة. نعم ومع الأسف، فإن الزنا السياسي، من قبل بعض المواطنين ومن قبل بعض الحكام، هو الذي أوصل بلادنا وشرقنا إلى ما نحن عليه من مصائب.
هل من عقاب؟ هل من كفارة وهل من إصلاح؟
طبعا. هناك عقاب. لكن لن نلجأ إلى رجم الزناة بالحجارة، لأننا دعاة حب وسلام، ولن نلجأ إلى كثرة الكلام فهو قليل الفائدة فالفاسقون لا يسمعون، والزنا الذي نحن أمامه، نرى نتائجه ولا نراه. فالمجرمون بحق الوطن يخفون جرائمهم لا بل يستنكرونها وكأنه لا علاقة لهم بها! إنما العقاب يكون في حسن الاختيار، وفي التحريض على حياة القداسة والسيرة الصالحة، لأن بها مصلحة الناس ومصلحة الوطن ومرضاة الله.
وهناك أيضا كفارة. فإن كانت كفارة الزنا الجسدي في الرجوع إلى الله بالتوبة والندامة، فإن كفارة الزنا السياسي لا تكون إلا بالعودة إلى الضمير وإلى الله وإلى الوطن، بقلب متواضع وفكر مستنير وجرأة عالية. فالمُنتَخِب عليه أن يقيم علاقة شريفة مع المرشح على أساس القيم الأخلاقية والإنسانية، وليس على أساس مصلحة شخصية وشهوة عابرة، والمنتَخَب عليه أن يبني علاقة شريفة مع المواطن تقوم على الصدق والوفاء والاحترام وخدمة الوطن على طول الزمن، وليس على الترهيب ولا على الوعود الفارغة والزيارات المتنقلة قبل شهر من الانتخابات.
وأخيرا نردد معا قول بولس الرسول: "اهربوا من الزنا واتبعوا البر والمحبة والإيمان. الفاسدون والزناة سيدانون، ولا يرثون ملكوت الله."