لا يختلف اثنان على أن الثنائي الشيعي المتمثل بـ"حزب الله" وحركة "أمل" وحلفائهما المقربين من النظام السوري، يشكلون الرابح الأبرز بالانتخابات النيابية الاخيرة. فكل الأهداف الاستراتيجية التي وضعوها تم تنفيذها وبنجاح مبهر، ما سنح لهم بتأمين ما يسمى بـ"الثلث النيابي المعطل" والمتمثل بـ43 نائبا، ما يعني ان لا امكانية لتأمين النصاب للبتّ بأي ملف او استحقاق أساسي من دون التفاهم مع هذا التكتل النيابي الواسع.
وقد تم التداول كثيرا في الاشهر القليلة الماضية عن تدخل سفارات ودول خارجية للحرص على عدم حصول الحزب على ورقة الجوكر هذه، لكن الرياح لم تجرِ كما تتمنى سفن هذه الدول وأخصام الحزب في الداخل اللبناني، وهو ما انعكس بوضوح في الاعلام الاسرائيلي الذي اعتبر ان "الانتخابات اللبنانية تعزز قبضة "حزب الله" وتضع الولايات المتحدة الأميركية في مأزق"، كما في اعلان أحد الوزراء الاسرائيليين بأن "لبنان بعد الانتخابات بات يساوي حزب الله".
وتمكن الثنائي الشيعي من احكام قبضته على المقاعد الشيعية الـ26 بعد أن خرج مقعد وحيد عن سيطرته هو المقعد الشيعي في جبيل. وبذلك يكون قد ثبّت مرة جديدة زعامته للمجتمع الشيعي اللبناني بالرغم من خروج أصوات شيعية كثيرة معارضة في المرحلة التي سبقت الانتخابات.
وكما هو متوقع، يتجه حزب الله لاستثمار "مكاسبه النيابية" في الداخل اللبناني، سواء في تسمية رئيس المجلس النيابي او رئيس الحكومة والأهمّ في عملية تشكيل هذه الحكومة. ولا تتردد مصادر مقربة من الحزب بالتأكيد على ان كل الاستحقاقات المقبلة لا يمكن ان تمر الا بتفاهم مع "الثنائي الشيعي"، ملمّحة الى "تشدّد" قد يتمّ اللجوء إليه للموافقة على تسمية رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري رئيسا للحكومة الجديدة، مضيفة: "هناك شروط معينة لم يعد يمكن تجاوزها وفق المعادلة النيابية الجديدة خاصة بعد سقوط كل محاولاتهم في الفترة الماضية فرض ثنائية مارونية–سنيّة تسيّر البلد على هواها".
وتؤكد المصادر أن لا حكومة يمكن ان تشكل من دون "القرار الشيعي" واعتراف تيار "المستقبل" بـ"السنّي الآخر"، لافتة الى ان خسائر الحريري في الانتخابات كنت متوقعة، لكن ليس بهذا الحجم وهذه القسوة، مضيفة: "لقد انخفض عدد نواب كتلته من 34 الى حوالي 16 رغم اصراره على الحديث عن 21، وبالتالي سيكون عليه اعتماد مقاربة جديدة لوضعه ليُبنى على الشيء مقتضاه. فاذا أصرّ على المكابرة، فان الأمور لن تكون سهلة، أما اذا استوعب ضعفه وبالتالي أقر بالتعدديّة على الساحة السنيّة التي فرضتها الارادة الشعبيّة، يكون يسير بذلك على الطريق الصحيح".
وترجّح المصادر أن يكون رئيس الحزب "التقدّمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط أقرب الى "الثنائي الشيعي" وحلفائه في المرحلة المقبلة منه الى أيّ طرف آخر وبالتحديد المستقبل–الوطني الحر، "بعدما خذلاه قبيل وخلال المعركة الانتخابية"، معتبرة انه "حتى ولو أصر الطرفان على التأكيد ان "التسوية الرئاسيّة" لحظت بقاء الحريري رئيسا للحكومة طوال فترة ولاية الرئيس عون، فذلك لن يكون ممكنا من دون موافقة "الثنائي الشيعي" باعتبار انهما غير قادرين على تأمين الاصوات النيابيّة الكافية والكفيلة باعادة رئيس تيار "المستقبل" مجددا الى السراي الحكومي".
بالمحصّلة، لا تزال القوى كافة منشغلة بمتابعة آخر الأرقام الصادرة عن صناديق الاقتراع وباتمام حساباتها الرقميّة للمرحلة المقبلة لتبني على اساسها حساباتها السياسية. ولعل ما هو ثابت، المواجهة الحتميّة المرتقبة بين الثنائية المسيحية–المارونية من جهة والثنائية الشيعية من جهة أخرى، على ان يتحوّل باقي الفرقاء ملحقين بهما.