أفرجت وزارة الداخلية مساء أمس، عن نتائج الانتخابات النيابية الرسمية والنهائية في 14 دائرة باستثناء دائرة عكار التي لم ينتهِ الفرز النهائي لأصوات مقترعيها. فرز يسير ببطء، كحال الإقبال البطيء والضعيف الذي شهدته صناديق الاقتراع يوم الأحد. فالعمل بنظام انتخابي جديد غير معتادة عليه الناس، يوجب التصويت للائحة كاملة من دون القدرة على التشطيب، قد يكون سبباً، فضلاً عن غياب الانقسام العمودي بين المكوّنات السياسية.
سارعت القوى السياسية الكبرى إلى قطف الثمار وإعلان انتصاراتها. أعلن الثنائي الشيعي أنّ فوز مرشحيه في دوائر الجنوب الثلاث والبقاع الثلاث وبيروت وبعبدا شكل انتصاراً لخيار المقاومة.
كذلك تحوّل يوم 6 أيار عند التيار الوطني الحر يوم شهادة جديدة من اللبنانيين للبنان الـ «بكرا». وبحسب الوزير جبران باسيل فإنّ 7 أيار 2005 هو «تاريخ عودة الوطن للوطن. وهو اليوم تاريخ عودة لبنان للدولة القوية».
أما الرئيس سعد الحريري الذي تلقى صفعة في بيروت الثانية والشمال الثانية، حاول أن يخفف من حجم المأسأة التي وقعت في عقر داره، مدّعياً أمس أنّ معركته «كانت على جبهات عدة»، وأنّ تياره «انتصر على هذه الجبهات كلها بإرادة جمهور عريض»، ويمكنه أن «يرفع رأسه بالإنجاز الأساسي والشعبي الكبير، الذي حققه، وأنّ النتائج تعطي التمثيل الأول في عكار وطرابلس وبيروت والإقليم وصيدا والبقاع الغربي والشمالي والأوسط لتيار المستقبل وكتلة كبيرة من 21 نائباً».
وبعيداً عن تفسير هذه القوى السياسية لمآل ما أفرزته وقائع يوم 6 أيار، فإنّ مجرد إجراء الانتخابات يعتبر، بحسب الخبير الدستوري الدكتور عادل يمّين لـ «البناء»، إنجازاً إصلاحياً وميثاقياً كبيراً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وقف ضدّ أيّ تمديد غير تقني للبرلمان، لا سيما أنّ هذا الاستحقاق جرى على أساس قانون جديد يعتمد النسبية للمرة الأولى، وكان خشبة خلاص لبنان من قانون الاقتراع الأكثري المجحف.
وفي القراءة الانتخابية، يُعتبر رئيس الجمهورية، بحسب يمّين، أبرز الفائزين بفوز الكتلة الأقرب إليه 30 نائباً. فالتيار البرتقالي نجح بأول استحقاق انتخابي نيابي بظلّ قيادة باسيل في تحقيق فوز كبير والخروج بالكتلة الأقرب إلى العهد من 30 نائباً. وهي الكتلة الأكبر في المجلس حالياً كما تضمّ العدد الأكبر من النواب الحزبيين. وبرهن التيار الوطني الحر أيضاً، أنه الأول والأكثر تمثيلاً على الساحة المسيحية، وهذا يؤهّل حجم كتلة لبنان القوي تولي نيابة رئاسة البرلمان.
أما ثنائية حركة أمل وحزب الله، فثبتت، كما يرى يمّين، تمثيلها الساحق للساحة الشيعية من خلال فوزها بجميع المقاعد الشيعية، ما عدا مقعد واحد في دائرة جبيل كسروان، إلا أنّ البارز تمظهر أيضاً بتحقيق القوات اللبنانية نتيجة لافتة بفوزها بكتلة نيابية من 16 مقعداً.
وعلى الصعيد السني، فقد خرج الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بأقلّ الأضرار. وبحسب يمّين، أبرزت هذه الانتخابات تعدّدية على صعيد الطائفة السنية، إذ فازت لائحة العزم بأربعة مقاعد، ولائحة الكرامة بمقعدَيْن، فضلاً عن فوز شخصيات أخرى كالنواب عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي – راشيا، وأسامة سعد في صيدا جزين، وعدنان طرابلسي في بيروت الثانية.
وعلى خط المختارة، فقد خرج النائب وليد جنبلاط بأقلّ الأضرار الممكنة وثبّت زعامته في الساحة الدرزية، رغم تراجع حجم كتلته، في حين أنّ حزب الكتائب، كما يؤكد يمّين، كان الخاسر الأبرز في الانتخابات بخروجه بكتلة صغيرة من ثلاثة مقاعد، علماً أنّ عدد الأصوات التي حصل عليها النائب سامي الجميّل أثبت أنه لا يزال الأقوى في المتن الشمالي.
بيّنت الانتخابات زوال الانقسام الذي ساد الساحة اللبنانية لسنوات بين قوى 8 و14 آذار. وبيّنت أيضاً أنّ تكتل لبنان القوي وتكتل حزب القوات، حصلا على نحو 80 من أصوات المسيحيّين. إذ بلغ عدد نوابهم 44 نائباً.
وسط هذا المشهد، فإنّ التحدّي الأكبر يتمثل في العمل ابتداء من 21 الحالي على الإسراع في انتخاب رئيس للبرلمان ونائبه وتشكيل حكومة قادرة والمباشرة في تحقيق الأهداف المرجوّة على المستويات الاقتصادية والإدارية والإنمائية والسعي لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، والمسارعة إلى أخذ الملاحظات حول الثغرات التي رافقت اليوم الانتخابي بعين الاعتبار لتكون موضع تدقيق لتعديل ما يجب في قانون الانتخاب