ما ان ابصر القانون الجديد للانتخابات النور، حتى بدأت الحملات الاعلامية والاعلانية ضده، وتعرض هذا القانون منذ ولادته للطعن من قبل معارضيه، ولكن الاكثر ألماً انه تعرض للطعن في الظهر من قبل صانعيه ومؤيديه. وبعدما تم تصويره على انه خشبة الخلاص الذي اراح اللبنانيين من كابوس قانون الستين، تحوّل فجأة الى الساحرة الشريرة التي نشأنا على كرهها في الافلام واعتبارها العجوز الشمطاء.
صحيح ان هذا القانون لا يرضي الجميع، وصحيح ان الكثير من النواقص تعتريه وتضعه في موقع الضعيف، ولكن اثبت انه استطاع تأمين وصول شرائح من المجتمع الى المجلس للمرة الاولى، كما انه رفع نسبة الحضور النسائي في المجلس مقارنة بالانتخابات الاخيرة التي حصلت قبل نحو تسع سنوات. لا احد يدعي ان هذا القانون مثالي او انه كامل ولا تشوبه شائبة، ولكن من غير المنصف ايضاً تهميشه والباسه كل اسباب "التعتير" الذي نعاني منه، ولمجرد ان نكسب شعبية اضافية، ننضم الى قافلة من يرجمه ويتنكر له من توافق عليه في مجلسي الوزراء والنواب.
وعلى الرغم من ان سيئات هذا القانون كثيرة، الا ان احداً لم يتكلم عن بعض حسناته، ومنها على سبيل المثال انه رفع نسبة التمثيل النسائي في البرمان من 3.1% الى 4.6% بوصول ستة سيدات (بينهن سيدتان من المجلس القديم بهية الحريري، وستريدا طوق جعجع)، وتبقى النسبة خجولة وضعيفة جداً ولكنها افضل من التي سبقتها، وقد يعيد البعض هنا النظر في وجوب اعادة تأييد وضع كوتا نسائية يتم الانطلاق منها لتعزيزها في المراحل المقبلة، فلو كانت 10 او 20% من عدد النواب، تبقى افضل بكثير من النسب المتدنية التي يتم تسجيلها في بلد يتغنى انه يسبق محيطه في مجال احترام حقوق المرأة.
ايجابية ثانية سجّلها القانون الجديد، وتتمثل في وصول ما اصطلح على تسميته بـ"المجتمع المدني" الى ساحة النجمة، ولو ان الاختلاف على التسمية وتمثيلها يبقى كبيراً بين من يرى ان المجتمع المدني لا ينحصر بعدد قليل من الاشخاص، وبين من يعتبر ان هؤلاء هم اساس هذا المجتمع وركيزته. وبغض النظر عن هذا الخلاف، ثبت بما لا يقبل الشك، ان الاحزاب تمكنت من استغلال تباعد وجهات النظر بين مكوّنات هذا المجتمع لطرح نفسها البديل المناسب، واستقطبت اصوات نصف اللبنانيين الذين مارسوا حقهم الانتخابي وادلوا بأصواتهم التي صبّت لصالح الاحزاب، مع ابقاء بصيص امل ضعيف للمجتمع المدني من خلال تمثله في البرلمان انما بشكل مهمّش. وهذا قد يشكّل دافعاً لمؤيدي المجتمع المدني، ان يرصوا الصفوف ويعمدوا الى تنقية الاجواء بينهم كي لا يبقى من مجال لشق صفوفهم واستغلال تشرذمهم، عله في المرة المقبلة يصل الى الندوة البرلمانية عدد اكبر بكثير ممن يحمل صوتهم.
لسنا في معرض الدفاع عن القانون الجديد، انما في معرض ادانة من عمل على خلقه ثم اخذ يغدر به، ومن المهم الاشارة الى ان الاساس يبقى في تحسين هذا القانون وتنقيته من الشوائب، لان الخوف يبقى في ان تؤدي هذه الحملات "الموسمية" الى ابقائه على قيد الحياة لعقود من الزمن، على غرار قانون الستين، بحيث اما يتعذر الاتفاق على قانون آخر، او يتم تقديم قوانين اكثر سوءاً منه فتجعله الاكثر انصافاً للتمثيل الشعبي بين البدائل الاخرى. اما الملاحظة الاخيرة فهي ان النسبية التي تعرّف الى قسم منها الشعب اللبناني، لم تكن كما تصورها الجميع، وبدا طعمها كالاكثري تقريباً، وهذا يوجب تحسين وضعها وتنقيتها من تدخلات الاحزاب، الا ان طموح الشعب لا يقارع طموح المسؤولين ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية.