على صعيد الأحزاب والتيارات لا الشخصيات المستقلة والرموز الإقطاعية، يجمع خبراء الإنتخاب كما الرأي العام اللبناني على أن لقب الخاسر الأول في الإنتخابات الأخيرة، يجب أن يمنح ومن دون منافسة لحزب الكتائب برئاسة النائب سامي الجميل، كل ذلك لأنه لم يحافظ على كتلته النيابية التي تراجع عددها من ٥ الى ٣ نواب فقط، تماماً كما هو عدد نواب كتلة الحزب السوري القومي الإجتماعي. حصول الكتائب على لقب أول الخاسرين، لا يعني أبداً أن نتيجة تيار المستقبل جاءت لامعة وبرّاقة ومطابقة لتطلعات وحسابات رئيس التيار والحكومة سعد الحريري. فالتيار الأزرق الذي حصل على ٢١ نائباً خسر أيضاً، وكانت خسارته في صناديق الإقتراع أكثر من مدويّة. لماذا وكيف؟.
الجواب في جولة سريعة على الدوائر التي كان فيها للتيار مرشحون ومرشحات.
ففي العاصمة بيروت مثلاً، وتحديداً في الدائرة الأولى، خسر مرشح حزب الهنشاك المدعوم من تيار المستقبل سيبوه قالباكيان. أما في بيروت الثانية عرين آل الحريري منذ الأب وحتى الإبن، فهناك وقعت الكارثة:
أولاً لأن مرشح حزب الله أمين شري حصل على أصوات تفضيلية أكثر من تلك التي صوتت للحريري.
ثانياً لأن لائحة الحريري لم تحصد أكثر من ستة مقاعد من ١١، بينهم واحد للحزب التقدمي الإشتراكي، بينما حصلت لائحة تحالف حزب الله-حركة أمل-التيار الوطني الحر-الأحباش على ٤ مقاعد ومقعد لرئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي.
ثالثاً لأن الحريري لم يتمكن من تأمين فوز نجل النائب الشهيد وليد عيدو.
في دائرة صيدا-جزين، وبينما كانت حسابات تيار المستقبل تؤكد فوز لائحته بالمقعد الكاثوليكي في جزين لتعويض خسارة المقعد السني الثاني في صيدا، خسر التيار المقعد السني الثاني في صيدا وخسر فوقه المقعد الكاثوليكي في جزين الذي ربحه التيار الوطني الحر، ولم يتمكن من إيصال أحد من مرشحيه في الدائرة سوى النائب بهية الحريري، كل ذلك وسط فوز حزب الله وحركة أمل بمقعدين والتيار الوطني الحر بمقعدين.
بين بيروت والبقاع، لم تكن نتيجة تيار المستقبل مختلفة كثيراً، ففي زحله، فاز "المستقبل" بالمقعد السنّي فقط، وخسر معركته على المقعدين الشيعي والأرمني، لصالح لائحة النائب نقولا فتوش المدعومة من حزب الله وحركة أمل. أما في البقاع الغربي، حيث إعتاد التيار الأزرق على حسم النتيجة بإشارة من إصبع رئيسه، فتوزعت المقاعد مناصفة، ٣ للائحة المستقبل و٣ للائحة تحالف عبد الرحيم مراد ايلي الفرزلي مع حزب الله والتيار الوطني الحر. وبين الثلاثة الذين فازوا على لائحة المستقبل، هناك نائب أبرم وعداً مسبقاً مع القوات بالإنضمام الى تكتّلها مقابل حصوله على أصواتها وهو هنري شديد، وهناك آخر للحزب التقدّمي الإشتراكي وهو وائل أبو فاعور. حتى المرشح السني الذي فاز على لائحة تيار المستقبل، فلم يكن النائب زياد القادري بل محمد القرعاوي الذي ترشح عام ٢٠٠٩ على لائحة مراد والمعروف بقربه مما كان يعرف بفريق "٨ آذار".
أما في الشمال الذي يعتبره الحريري خزان تياره السياسي، فالخسارة الأولى كانت في الكورة حيث سقط نقولا غصن مرشح التيار، والثانية والأكبر كانت في طرابلس المنية والضنية حيث أعطت الصناديق لائحة العزم برئاسة نجيب ميقاتي ٤ مقاعد، ولائحة تحالف كرامي جهاد الصمد مقعدين، ليبقى ٥ مقاعد من ١١ للائحة المستقبل الذي لطالما كان الرقم الصعب في هذه الدائرة. حتى في عكار حيث لم يكن يتوقع التيار الأزرق خرق لائحته، خرقها التيار الوطني الحر بمقعدين.
إذاً خسارة تيار المستقبل تتطلب مراجعة شاملة، تبدأ بالخطاب السياسي ولا تنتهي بالمشاريع الإنمائية والإقتصادية التي وعد بها الحريري جمهوره ولم ينفذها.