لم يكن مفاجئًا لكثيرين اقتصار خروقات المجتمع المدني في الانتخابات النيابية على خرق واحد، تمثل بالاعلامية بولا يعقوبيان التي خاضت المعركة في دائرة بيروت الأولى. فكل المعطيات والاحصاءات لم تكن ترجح فوز مجموعات المجتمع المدني بأكثر من مقعدين أو في أفضل الأحوال 3، لأسباب متعددة يُمكن اختصارها بـ4 رئيسية:
أولا، التأخر باتمام التفاهم الانتخابي بين هذه المجموعات، ما أدى الى تأخير في تشكيل اللوائح واطلاق العمل الفعلي للماكينات. فان كان التوصل في النهاية الى خوض الانتخابات بـ66 مرشحا في 9 دوائر، شكّل انجازا بعدما كان عدد المرشحين المحسوبين على المجتمع المدني فاق الـ300، الا ان الرؤى المختلفة لهذه المجموعات أثرت على عملية التنسيق في ما بينها خلال الانتخابات، مع اصرار كل منها على تمتعها بخصوصية معينة رفضت التخلي عنها رغم حراجة الموقف.
ثانيا، ضعف الامكانيات المالية. فبالرغم من كل ما تم تداوله عن تمويل خارجي وصل الى هذه المجموعات، تبين ان القدرات المالية كانت محصورة بمجموعة واحدة او 2 في أحسن الأحوال، علما انها لم تُحسن استخدامها، فصرفت القسم الأكبر منها في بداية الحملة، ووصلت الى الجزء الاخير منها بعجز مالي أثّر على مجريات اليوم الانتخابي.
ثالثا، عدم التزام المتطوّعين والمندوبين وغياب حضورهم الفاعل خلال العملية الانتخابية. وقد بدا ذلك جليًّا يوم الأحد في السادس من أيار بحيث غاب مندوبو "كلنا وطني" عن الكثير من الأقلام ومراكز الاقتراع، لمحدوديّة عددهم، ولعدم التزام القسم الاكبر بالمهام التي كانت موكلة اليه، ما أدى تلقائيا لتلكؤ الناخبين المترددين باعطاء أصواتهم للوائح المجتمع المدني لاعتبارهم ان مجموعاته تفتقد للجديّة المطلوبة للعمل الانتخابي والسياسي على حد سواء.
رابعا، عدم نجاح مجموعات المجتمع المدني بايصال رسالتها بوضوح للناخب اللبناني او أقله عدم تمكنها من اقناعه بها. وهنا تشير مصادر معنيّة الى ان قيادة هذه المجموعات كانت تعوّل على نسبة غير قليلة من الناخبين المستائين من أداء الأحزاب وقوى السلطة لتصبّ أصواتها لصالح لوائحها، الا انه تبين ان القسم الأكبر من هؤلاء الناخبين لم يقتنع برؤية ومشروع هذه المجموعات واعتبرهما غير قابلين للتحقيق أقله في المرحلة المقبلة.
وتلفت المصادر الى ان قيادة "المجتمع المدني" كانت تعي تماما انها غير قادرة على استحداث موجة تسونامي تقلب موازين القوى، لكنها كانت تعوّل على "النقمة الشعبية من عمل السلطة طوال السنوات الـ9 الماضية، وتوق المواطنين لنوع من التغيير، فجاءت النتيجة لا شك مخيبة للآمال". وتضيف المصادر: "حتى انه في دوائر معينة، كانت متأكدة من استحالة الخرق، لكنها أصرّت على تشكيل لوائح لخلق حالة اعتراضية معيّنة تخدم لوائح أخرى في دوائر مختلفة".
بالمحصّلة، يبدو واضحا ان مجموعة عوامل أدّت لفشل ظاهرة المجتمع المدني في هذا الاستحقاق، وان كان خرق بولا يعقوبيان مشجّعا وقد يكون أشبه بكرة ثلج تكبر في الدورات المقبلة في حال نجحت بتقديم تجربة رائدة ومختلفة، الا انه ومن دون الانصراف لمعالجة مكامن الخلل سريعا، والعمل على خلق مظلة سياسيّة تبدأ بتجهيز نفسها من جديد لانتخابات 2022، ستبقى هذه الظاهرة أشبه بفكرة جميلة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.