لطالما عكست مشاورات تأليف الحكومة وتوزيع الحصص الوزارية حجم المحاصصات السياسية. ولطالما عكست الشروطُ والشروطُ المضادة، حقيقة واحدة أن لبنان بلد التسويات والمقايضات.
لم يكد نهار 6 أيار ينتهي، حتى جرى تبادل الرسائل المشفّرة بين عين التينة وبيت الوسط والرابية من جهة، والرابية ومعراب من جهة أخرى حيال الوزارات السيادية و"الخدمية".
وحدها الحقائب المثقلة بالنفط والمال والزفت والاتصالات تنعش أرباب السلطة. بينما تدغدغ الخارجية بعض الطامحين للرئاسة الأولى.
كل تأخير في تأليف الحكومة منذ العام 2008، كان مردّه الكباش الحاصل حول المقعد الوزاري لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. لم تكن الطريق معبّدة أمام أية حكومة منذ ذاك التاريخ من دون النائب البتروني الجديد. فكان حزب الله إلى حد كبير منسجماً مع الرئيس العماد ميشال عون على وجود باسيل في الحكومات اعتباراً من أولى حكومات عهد الرئيس السابق ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة.
هكذا كان الوضع. بيد أنه قد تغيّر مع المطبات التي رافقت عمل حكومة العهد الأولى، حيث باتت حقيبة المال بدورها عقدة العقد، على خلفية أزمة توقيع الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري مرسوم منح أقدمية سنة لضبّاط دورة 1994، من دون توقيع وزير المال علي حسن خليل، حيث سارع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى التصدّي لهذا الإجراء من باب تمسّكه بمشاركة الطائفة الشيعية في الحكم بفاعلية، الأمر الذي يوفّره حصول الطائفة عليها.
تبرز اليوم ملامح أزمة حيال هذه "الحقيبة المالية" مع تشديد "الأستاذ" على أنها ستكون من نصيب الشيعة وأن الوزير خليل سيعود إليها في الحكومة المرتقبة كي يراقب كل قرش يتم صرفه.
فهل سيرضخ التيار الوطني الحرّ لإصرار رئيس المجلس لتمرير التشكيلة أم أنه سيتصدّى لذلك دستورياً؟
تقول مصادر وزارية مقرّبة من العهد لـ "البناء" إن الإيجابيات متراكمة على خط بعبدا – عين التينة – بيت الوسط. والقرار بتسهيل تأليف الحكومة موجود حتى الساعة. وغداً لناظره قريب. نقاط الالتقاء مع الرئيس بري بلغت مراحل متقدمة في الأيام الماضية، في ضوء تأكيده أنه "إذا اختار عون اسماً لنائب رئيس المجلس فـ"أنا أصوّت له"، وما دامت كتلة التيار الوطني الحر هي الكتلة الأكبر عدداً، فهذا يعطيها الحقّ في أن ترشّح أحد نوّابها الأرثوذكس لموقع نائب رئيس المجلس"، وصولاً إلى تسميته الحريري لرئاسة الحكومة ودعوته إلى إعادة عجلة الدوران بسرعة.
ما تقدّم يؤكد، بحسب المصادر نفسها، أن الاستحقاق الاول المتمثل بانتخاب رئيس المجلس النيابي ونائب الرئيس قطع شوطاً كبيراً، لجهة الاتفاق على شخص الرئيس (نبيه بري) ونائب الرئيس (من حصة التيار الوطني).
أما في ما خصّ الحقائب السيادية وتوزيعها، فتعود المصادر إلى كلام الرئيس الحريري من بعبدا "إني لا أعترف إلا بعرف واحد متعلق برئاسات الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب وأي طلبات مسبقة متعلقة بالحقائب الوزارية لا قيمة لها".
وعليه، فإن التيار الوطني الحر ليس طالب أعراف او أشكال بل طالب توافق على مبادئ أساسية، تضيف المصادر. ليس هناك حقائب مخصصة لطوائف معينة. العونيون ليسوا في هذا الجو ولن ينغمسوا به.
والتمسك بالعرف السابق الذكر، سيفتح باب الطائف على مصراعيه لجهة إعادة النظر بالطائف ككل والصلاحيات وببعض أحكامه، على الأقل مساواة رئيس الجمهورية بالوزير الذي تُحفظ له ولطائفته حقيبة، والمحرّر من أي قيد زمني لتوقيع المراسيم. والرئيس برّي ليس في وارد أن يصل بالأمور الى أزمة نظام، تقول المصادر.
لا يتحدّث العونيون عن أن وزارة المال ليست للطائفة الشيعية أو للمرشح الذي يسمّيه رئيس حركة أمل، تؤكد المصادر الوزارية، لكنهم يرون أنها ليست بالضرورة لوزير شيعي وليست بالضرورة للوزير الذي يسمّيه بري.
يبقى أن الأحجام، وحدها ستحكم الانضمام إلى المقاعد الوزارية وفقاً لأهميتها. وغامزة من قناة حزب القوات، تشير المصادر إلى أن رئيس الجمهورية كان صريحاً عندما قال إن مَن يرد المشاركة يجب أن لا يضع شروطاً تعجيزية ويعطل العمل. لا شيء اسمه معارضة تشلّ مجلس الوزراء. المعارضة يجب أن تكون بناءة وللتحفيز والتحقيق. فالتعطيل المجاني الذي مارسه بعض الفرقاء لن يسمح الرئيس بأن يتكرر. فالحكومة المرتقبة سوف تكون الأكثر تمثيلاً للإرادة الشعبية من منطلق وجود أكثرية وأقلية أو منطلق وفاق وطني حقيقي وليس تعطيلياً، من دون إقصاء احد.