غداة صُدور نتائج الإنتخابات، غرقت القوى السياسيّة التي حقّقت نتائج بارزة، في لعبة تحديد الأحجام، بينما راحت القوى السياسيّة التي لحقت بها خسائر كليّة أو جزئيّة، الى محاسبة مسؤولي ماكيناتها الإنتخابيّة، رافضة في الوقت عينه الإقرار بأي هزيمة. واللافت أنّ أحدًا لم يتحدّث عن ضرورة مُعالجة الثغرات الكبيرة التي ظهّرتها النتائج، خاصة وأنّ الأحزاب الكبرى الرئيسة في لبنان باستثناء كتلة "المُستقبل"، راضيًا تمامًا عن النتائج التي تحقّقت عبر هذا القانون. فما هي الثغرات التي ظهرت، وهل من أمل بمُعالجتها؟.
على سبيل المثال، في دائرة "جبيل-كسروان" بلغ "الحاصل الإنتخابي" 12567 بعد إستبعاد أصوات اللوائح التي لم تتمكّن من الوُصول إلى "الحاصل الأوّل" والذي كان 14452 صوتًا قبل تخفيضه عبر حسم مجموع أصوات اللوائح التي لم تتأهّل للمرحلة التالية. ومن المُفارقات أنّ النائب المُنتخب زياد حوّاط فاز بمجموع 14424 صوتًا في هذه الدائرة، بينما فاز في الدائرة نفسها لكن على لائحة مُنافسة، النائب المُنتخب مُصطفى علي الحسيني، بما مجموعه 356 صوتًا. وإذا كانت لعبة الكسر الأعلى التي نالتها لائحة "عنا القرار" يُمكن أن تشفع بحقّها في نيل حصّة من نائبين، فهل من المنطقي أن يكون المرشّح عن المقعد الشيعي في الدائرة عينها حسين زعيتر قد نال 9369 صوتًا وخسر حقّه بتمثيل أبناء منطقته، لصالح الحُسيني، لأنّ لائحته لم تتمكّن من نيل الحاصل؟.
وغياب العدالة والمنطق تكرّر في أكثر من دائرة إنتخابيّة، حيث نال النائب المُنتخب أنطوان بانو 539 صوتًا تفضيليًا ليُصبح ممثًلاً عن مقعد الأقليّات في دائرة "بيروت الأولى"، ونال النائب المُنتخب سليم خوري 708 أصوات ليُصبح مُمثّلاً عن مقعد الروم الكاثوليك في جزّين، ونال النائب المُنتخب نقولا كميل نحاس 1057 صوتًا ليُصبح مُمثّلاً عن مقعد الروم الأرثوذكس في طرابلس، شأنه في ذلك شأن النائب المُنتخب جان عبيد الذي نال 1136 صوتًا تفضيليًا ليُصبح ممثلاً عن المقعد الماروني في دائرة طرابلس أيضًا، علمًا أنّه في طرابلس نال رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ما مجموعه 21300 صوت تفضيلي للفوز بأحد المقاعد السنّية عن المدينة! وفي السياق عينه، ولكن في دائرة أخرى، نال النائب المُنتخب مُصطفى علي حُسين 1353 صوتًا ليُصبح مُمثّلاً عن المقعد العلوي دائرة عكّار، بينما فاز المرشّح وليد البعريني عن المقعد السنّي بمجموع 20426 صوتًا تفضيليًا! ومن بين الأمثلة على النوّاب الذين فازوا بمقاعدهم في المجلس التشريعي اللبناني بنسب تمثيل ضعيفة، وربما المثال الأكثر تعبيرًا على ذلك، النائب المُنتخب ادي دمرجيان الذي نال 77 صوتًا تفضيليًا فقط لا غير، ليُصبح مُمثّلاً عن مقعد الأرمن الأرثوذكس في دائرة زحلة.
ولم تقتصر ثغرات قانون الإنتخاب على ما ذكرناه أعلاه، بل طالت مُرشّحين فشلوا في تحقيق النجاح في المعركة الإنتخابية، لأنّ نسبة الصوت التفضيلي لزملائهم على مُستوى الدائرة الصُغرى جاءت أعلى من نسبتهم، كما هي حال النائب الخاسر فادي كرم، حيث نال 7822 صوتًا تفضيليًا مُتقدّمًا على أقرب مُنافسيه في دائرته الصُغرى بنحو ألفي صوت، لكنّه لم ينجح في الإنتخابات لأنّ لائحته نالت كل مقاعدها النيابيّة، ولأنّ زملاءه على اللائحة نفسها نالوا نسبة مئوية أعلى على مُستوى "الصوت التفضيلي" في دائرتهم الصُغرى، علمًا أنّ مجموع أصوات كلّ واحد منهم يقلّ عن مجموع أصوات النائب الخاسر كرم. وسبب هذا الأمر يعود إلى أنّ القانون الجديد يُحدّد تراتبيّة أسماء الفائزين بحسب النسبة التي حصلوا عليها في دائرتهم الإنتخابيّة الصُغرى، وليس بإجمالي عدد الأصوات التفضيليّة التي حازوا عليها، بحيث أنّ كسب تأييد أصوات جزء كبير من الناخبين في دائرة صغرى قليلة عدد الناخبين، أفضل من كسب تأييد أصوات ضعف هذا العدد مثلاً في دائرة كثيرة عدد الناخبين.
ومن ضُمن الثغرات التي ظهّرتها نتائج الإنتخابات النيابيّة أيضًا، التوزيع المذهبي ليس بين اللوائح المُتنافسة فحسب إنّما ضُمن اللائحة الواحدة نفسها، وحتى ضُمن الحزب الواحد في بعض الأحيان، حيث فشل مثلاً المُرشّح الماروني جيمي جبّور في الفوز بالمقعد الماروني في دائرة عكار، بينما نجح زميله في "التيّار الوطني الحُرّ" أسعد درغام في الفوز بمقعد الروم الأرثوذكس عن الدائرة نفسها، علمًا أنّ جبّور نال 8667 صوتًا تفضيليًا، بينما نال زميله درغام 7435 صوتًا. والسبب أنّ المقعد الماروني لم يعد مُتوفرًا بعد أن سبقه إليه النائب المُعاد إنتخابه هادي حبيش الذي حاز على نسبة أعلى من أصوات جبّور، بينما تمكّن درغام من إنتزاع احد المقعدين الأرثوذكسيين في هذه الدائرة. وبالتالي، حالت العوامل المذهبيّة دون فوز جبّور، علمًا أنّه تقدّم على زميله في التيّار، درغام، على صعيد الأصوات التفضيلية في الدائرة نفسها، وعلى الرغم من أنّ لائحته نالت "حاصلين إنتخابيّين" بحيث ذهب المقعد الثاني للمرشّح العلوي مُصطفى حسين الذي نال 1353 صوتًا تفضيليًا فقط، كما ذكرنا أعلاه.
وفي الخلاصة، قد يكون من المفيد أن يتم تقييم نتائج الإنتخابات من قبل جهات مُستقلّة لتحديد الثغرات التطبيقيّة التي ظهرت فيه، تمهيدًا للطلب من السُلطة السياسيّة في لبنان العمل على مُعالجتها، علمًا أنّ فوز الأحزاب والقوى الكُبرى سيدفع هذه الجهات إلى التهرّب من هذه المهمّة. فهل سيتجرّأ أي طرف على طلب تعديل وتطوير القانون الحالي قبل حُلول موعد الدورة المُقبلة، أم أنّ ظاهرة فوز مجموعة من النوّاب عن طريق الصدفة، والشبيه بالفوز بورقة يانصيب عن طريق الحظّ الجيّد، ستتكرّر في الدورة المُقبلة؟.