الذكرى السبعون لنكبة شعبنا العربي في فلسطين والأمة العربية جمعاء تلونت هذا العام بالأحمر القاني، بفعل الدماء الغزيرة التي سالت في ميدان المواجهة مع جنود الاحتلال والتي أبقت القضية حية لا تموت وأسقطت معها رهانات الأعداء على إنهاء وتصفية القضية عبر فرض توقيع اتفاق استسلامي يقضي بشطب حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه ودياره، التي هجر منها بقوة الإرهاب والبطش والتنكيل الصهيوني، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، مقابل إعطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية حكما ذاتيا تحت السيطرة الصهيونية، وإذا ما أراد الشعب الفلسطيني إقامة دولة له فلتكن في قطاع غزة وأجزاء من شبه جزيرة سيناء.
أراد الكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة الأميركية أن يجعلا من يوم النكبة يوما اسودا جديدا بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني، وعيدا للصهاينة من خلال الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة ترجمة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، غير أن الشعب العربي الفلسطيني، بانتفاضته العارمة والمواجهات مع جنود الاحتلال، الذين تمادوا في وحشيتهم وعدوانيتهم، قلب المشهد وحوله باتجاه آخر أظهر من ناحية إرادته وتصميمه على التمسك بحقوقه الوطنية، ومن ناحية ثانية كشف للرأي العام العالمي وحشية وإرهاب جنود الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين بإطلاقهم النار على المتظاهرين مما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء وإصابة الآلاف بجراح.
هذا المشهد من مسيرات العودة والتظاهرات الشعبية التي شهدتها فلسطين المحتلة ومناطق الشتات الفلسطيني أكد جملة من الدلالات الهامة وبالتالي ثبت حقائق عديدة.
على صعيد الدلالات: يمكن القول إن مسيرات العودة والمواجهات مع جنود الاحتلال على مدى أسابيع متتالية وصولا إلى يوم النكبة الذي شكل ذروة هذه المواجهات أكدت جملة دلالات أهمها:
الدلالة الأولى: إن شعب فلسطين لم ينس أو يتخلى عن حقوقه وأنه متمسك بها ومستعد لبذل التضحيات مهما بلغت من أجل الحفاظ عليها ورفض إي تفريط أو مساومة عليها. وهذا يعني أنه وجه صفعة قوية بالغة الدلالة لكل من اعتقد أن الشعب الفلسطيني قد تعب ولم يعد مستعدا لمواصلة النضال دفاعا عن حقوقه.
الدلالة الثانية: إن اعتقاد بعض الأنظمة العربية الرجعية والولايات المتحدة وكيان العدو، بأن مرور سبعين عاما على احتلال فلسطين سوف تضعف من عزيمة الشعب الفلسطيني على الاستمرار في النضال والكفاح إنما هو اعتقاد في غير محله، فالشعب الفلسطيني لم يهن أو يحبط أو يشعر باليأس بل إنه يزداد إصرارا على المقاومة والانتفاضة ضد الاحتلال.
الدلالة الثالثة: إن محاولات طمس القضية الفلسطينية وتغييبها عن مشهد الأحداث وجعلها في آخر سلم الاهتمامات العربية والإسلامية والدولية، فشلت فشلا ذريعاً، فها هي فلسطين تعود إلى واجهة الأحداث بل تحتل الصدارة، ما يؤشر إلى أن الحروب الإرهابية التي اجتاحت الدول العربية لإشغال الجماهير العربية فيها بعيدا عن الاهتمام بنصرة فلسطين وشعبها ومقاومته وانتفاضته، لم تنجح في تحقيق أهدافها بجعل الشعب الفلسطيني يستسلم ويرفع الراية ويسلم بما يمليه عليه كيان الاحتلال الصهيوني، بل واصل التصدي للاحتلال.
الدلالة الرابعة: إن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة التي اعتقد البعض أنها سوف لن تستمر وأنها مجرد هبة وسوف تخمد وتنطفئ، فقد تبين أنها مستمرة وهي تأخذ أشكالا مختلفة عن الانتفاضتين الأولى والثانية، لكنها متواصلة، تهدأ حينا وتتصاعد وتتأجج حينا أخر كما شهدنا في مسيرات العودة والتظاهرات والمواجهات مع قوات الاحتلال في كل أنحاء فلسطين المحتلة.
على صعيد الحقائق: يمكن تسجيل الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: الصراع المحتدم على أرض فلسطين المحتلة ليس مسألة مطلبية، اقتصادية أو اجتماعية، أو حقوق إنسان، إنما هو صراع جذوره الأساسية تكمن في كونه صراع بين شعب سلبت منه أرضه وهجر منها، وبين محتلين ومستوطنين ومستعمرين صهاينة جاؤوا من دول عديدة بدعم من الاستعمار الغربي واحتلوا أرض فلسطين وأقاموا عليها عنوة كيانا غاصبا، ويريدون اليوم تشريع وجود هذا الكيان ومحاولة إجبار صاحب الأرض على التوقيع على صك التخلي عن أرضه ومقدساته والعودة إليها، والاعتراف بأن أرض فلسطين ليست له وإنما هي للصهاينة المحتلين. وهو ما رفضه شعب فلسطين على مدى سبعين عاما، وأكد تمسكه بكل شبر من أرضه والعودة إليها مهما طال الزمن.
الحقيقة الثانية: فشل محاولات إخضاع الشعب العربي في فلسطين والشتات وسقوط مخططات فرض الاستسلام عليه، وجعله يستكين ويسلم بالأمر الواقع ويتوقف عن المقاومة والانتفاضة ضد الاحتلال والإصرار على المطالبة بحقوقه واستعادتها كاملة.