عندما نال اللواء جميل السيّد أكثر من 33 ألف صوت في انتخابات بعلبك-الهرمل، تفوّق على كل زملائه المرشّحين في لائحة "الأمل والوفاء"، وتحوّل المرشح الآتي من دائرة زحلة، لأن يكون الرقم الصعب في بعلبك-الهرمل، متجاوزاً "حزب الله" و"حركة أمل"، وكل الأحزاب الأخرى، رغم محاولة حزب "البعث" قطف فوز السيّد، وقول محازبيه ان الأصوات التي نالها هي أصواتٌ صبّت لصالح "المرشح البعثي جميل السيّد". هو وحده استطاع خرق "التوزيعة" التي قام بها "حزب الله" للبلدات، وبدا لافتاً انه تفوّق على وزيري الصناعة حسين الحاج حسن والزراعة غازي زعيتر بأضعاف المقترعين، رغم أن الوزيرين المذكورين تبوآ مناصب حكومية في حقائب أساسية عدة، تجاوزت الخمس لكل منهما، وهما نائبان منذ اكثر من عقدين.
ادرك "حزب الله" تحديداً، قدرة السيّد الذي تفوّق على نوّابه، ويمهّد الآن الطريق لرسم مشروع زعامة شيعية بقاعية، لا تنحصر فقط في بعلبك-الهرمل، بل في البقاع كله، خصوصاً أن نائب زحلة الشيعي المنتخب انور جمعة متواضع الخبرة السياسية والشعبية، ونائب البقاع الغربي المنتخب محمد نصرالله ليس بقاعياً بل هو جنوبي رشّحته "حركة أمل" بغياب شخصية بقاعية وازنة للحركة في تلك الدائرة.
منذ ما قبل الانتخابات كان السيّد يحيط نفسه بهالة اكتسبها منذ كان ضابطاً رفيعاً في مخابرات الجيش منذ الثمانينات، ثم مديراً للأمن العام في التسعينات وصولا حتى ادخاله السجن عام 2005، ليتحوّل بعد خروجه الى رمز لمقارعة "14 آذار".
استند السيّد في حملته السياسية ثم الانتخابية الى خطابه السياسي وتغريداته، لا غير. وحدها كانت كافية لدغدغة عواطف مناصري "8 آذار". ليتبيّن ان البقاعيين الذين يدورون بذات الفلك السياسي في بعلبك-الهرمل، يرون في السيّد مشروع زعيم يفرض وجوده ودوره. اذاً هم يحتاجون لخطاب وموقف وثبات، لا الى خدمات؟!.
كان الوزير الحاج حسن يقضي كل وقته في تلبية مطالب المواطنين، طيلة السنوات الماضية، لكن نتيجة الانتخابات النيابية الاخيرة، أظهرت انه نال أقل نسبة من الأصوات. قد يكون اسلوب الحاج حسن الجدّي في الخطابة و"الفجّ" بالتعامل مع البقاعيين هو السبب. لكن ماذا عن زعيتر؟ اسلوبه مرنٌ جداً، وهو ودود في التعاطي مع البقاعيين. لكن المواطنين يرسمون علامات استفهام حول دور زعيتر الحكومي، وخصوصا في وزارتي الاشغال العامة والزراعة. تلك التساؤلات فرضتها الفضائح التي استحضرتها وسائل اعلامية، لتُضاف الى غياب زعيتر عن التواجد مع البقاعيين.
قرأ السيّد تلك الوقائع جيداً، وفتح منزله طيلة ايام الاسبوع، وتصرف كزعيم، تزوره الوفود والفعاليات للمبايعة الشعبية. لقد ملأ السيد الفراغ السياسي البقاعي، وحاول الاستفادة من انتمائه لبلدة النبي أيلا الواقعة في وسط البقاع، تربط قضاء زحلة بقضاء بعلبك. نجح السيّد في اولى خطواته، وبات مرجعية سياسية.
وقد شهدت الساعات الماضية على قوة ونفوذ السيّد، بعد رفعه الصوت اعتراضاً على الفلتان الامني في مدينة بعلبك، ما إضطر نواب الدائرة جميعهم الى اللحاق به، وتأييده، وتكرار مطالبه.
المواطنون لمسوا التحول مع السيّد في بعلبك-الهرمل، بعد فشل نواب "حزب الله" و"حركة امل" في حمل هموم المدينة أمنياً، وغيابهم عن السمع، وعجزهم عن فرض الحل.
لن يقتصر دور السيّد عند هذا الحد. تقول مصادره انه سيسمّي الامور بأسمائها، في التقصير الحاصل مع مزارعي البقاع، و ملفات المياه والكهرباء و الخدمات، وغيرها.
الصوت العالي يتصدّر، مقروناً "بشجاعة وإقدام" يفتقده باقي النواب، بعد غياب الاصوات المرتفعة في بعلبك-الهرمل طيلة السنوات الماضية. لذلك، ينتظر البقاعيون مداخلات السيد في مجلس النواب في حمل همومهم. عندها سيضطر نواب "حزب الله" و"حركة امل" على اللحاق به أيضاً، الاّ اذا كان قرار الحزب بفصل النيابة عن الوزارة سيحمل خطاباً متمايزاً لنواب مثل ايهاب حمادة وابراهيم الموسوي، بعدما كان الحاج حسين هو "النائب البقاعي الاول" وهو الوزير، في الوقت عينه.
يعرف السيّد ان الفرصة متاحة امامه الآن لتزعّم البقاع، بعدما جرّب المواطنون النواب والوزراء الحاليون المكرّرون. "حزب الله" جدّد في نوابه، "على أمل الاستفادة من الاخطاء الماضية"، لكن "حركة امل" بقيت على قديمها المجرّب. كلها عوامل هي محطّ تقييم طبيعي في البقاع الشمالي. لكن الواقع يفرض السيّد من دون منازع، مستنداً الى أصواته التي نالها، بينما النواب الآخرون استندوا الى دعم احزابهم وحركاتهم، لا الى قدراتهم الشخصية المعدومة ولا لعلاقاتهم الخاصة، التي لا تخولّهم وحدها نيل مئات الاصوات.