لم يُحَلّ بعد "سوء التفاهم" الذي نشب بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط قبيل الانتخابات النيابية من بوابة تحالفهما في البقاع، وما سُمّي يومها بـ"الغدر" مع استبعاد النائب أنطوان سعد عن التركيبة النهائية للائحة، على الرغم من الوساطات والاتصالات المستمرّة على أكثر من خط بين الجانبين.
وإذا كان "حياد" رئيس الحكومة في مقاربة "جريمة الشويفات" الأخيرة والتي اعتُبرت من مخلفات التنافس الانتخابي بين "الاشتراكي" و"الحزب الديمقراطي اللبناني" عقّد الأمور أكثر وأدخل الحريري وجنبلاط في صراعٍ "مجّاني" إضافيّ، فإنّ مؤشّراتٍ كثيرةً تدلّ على أنّ المزيد من "الألغام" قد توضَع على خط العلاقة في مرحلة "مفاوضات" تأليف الحكومة المقبلة، ولو كان مرجّحاً أن يسمّي جنبلاط الحريري لرئاستها...
رسائل غير مشجّعة
في وقتٍ كثر الحديث خلال الساعات الماضية عن اتصالاتٍ نشطة بين "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" لاحتواء الإشكالات التي بدأت بين الجانبين منذ ما قبل الانتخابات النيابية، ووصلت إلى أوجها في الأسبوع الماضي، استمرّت المؤشّرات غير الإيجابيّة والرسائل غير المشجّعة على أكثر من خط على هذا الصعيد، ما أوحى وكأن اللقاء بين جنبلاط والحريري، إن حصل قريباً، وهو ما يبقى مرجَّحاً، قد لا ينهي تشعّبات الخلافات المتراكمة بينهما.
وقد تكون "حفلة" الردود والردود المضادة بين جنبلاط والحريري على خلفية مقاربة جريمة الشويفات الأخيرة من أبرز تجليات التصعيد الذي بلغته العلاقة، خصوصاً أنّها شهدت على "لهجةٍ في الخطاب" لم يستخدمها الرجلان في وجه بعضهما البعض في كلّ مراحل الاختلافات بينهما، بمعزلٍ عن حجمها. وإذا كان البعض يعتبر أن جنبلاط هو من "استفزّ" الحريري، حين اتهمه بالوقوف على "الحياد" في الجريمة، بدل الضغط على أرسلان، وهو الوزير في حكومته، لتسليم المطلوبين، فإنّ أحداً لم يكن يتوقّع أن يدعوه الحريري إلى أن "يحلّ عنه ويكفّ عن رمي كلّ مشاكله عليه"، الأمر الذي دفع جنبلاط إلى تقديم "اعتذاررسمي" فيه ما فيه من الدلالات "الساخرة"، خصوصاً عندما وصف الحريري بـ "رجل الدولة الأول في لبنان".
وفيما نشطت الاتصالات بعد هذه "الأزمة" لتطويقها، وهو ما ذكرت بعض المعلومات أنه بدأ يثمر نتائج شبه إيجابية، جاء الإفطار الذي أقامته السفارة السعودية في لبنان برعاية رئيس الحكومة ليسجّل غياب جنبلاط كما نجله النائب المنتخب تيمور جنبلاط، مؤكداً أنّ الأمور لا تزال على حالها بين الجانبين، ولو قال "الاشتراكي" إنّ سبب الغياب ليس سوى وجود "البيك" خارج بيروت. وبما أنه كان لافتاً أن جنبلاط حرص على تأكيد "متانة" علاقته بالسعودية، معلناً عبر وزيره وائل أبو فاعور أن "زيارتها واردة في أيّ لحظة"، فقد فُسّر الغياب على أنّه موجّه ضدّ الحريري حصراً، ولذلك معانيه ودلالاته أيضاً.
"مطبّات" متوقّعة
عموماً، وعلى الرغم من كلّ الخلافات المتراكمة، فإنّ كلّ المعطيات ترجّح بأن تسمّي كتلة "اللقاء الديمقراطي" الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، بالتنسيق مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي قال جنبلاط إن علاقته معه "فوق كلّ اعتبار"، وهو ما تجلى خصوصاً بـ"التوصية" التي قدّمها بتسمية إيلي الفرزلي نائباً لرئيس المجلس النيابي، على الرغم من أنّ منافسه على المقعد النائب المنتخب أنيس نصار ليس فقط مرشح "القوات اللبنانية" التي يتحالف معها، ولكن أيضاً لكونه شخصياً وصل إلى الندوة البرلمانية بعدما كان مرشحاً على لائحة جنبلاط الانتخابية في دائرة الشوف-عاليه.
إلا أنّ تسمية جنبلاط للحريري إن حصلت، وهو المرجَّح، لا يُعتقَد أنّها ستكون "نهاية المطاف" في الخلافات المتراكمة بين الجانبين، خصوصاً أنّ "مطبّات" جديدة يبدو أنّها متوقّعة في المرحلة المقبلة، في ظلّ إصرار "الاشتراكيين" على أن المقاعد الدرزية في الحكومة المقبلة يجب أن تكون محصورة بهم، نظراً للخلاف المستجدّ مع أرسلان، الذي يعوّل في المقابل على "تحالفه" مع رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل لحجز مقعدٍ وزاري "وازن" له، بل إنّ بعض الأوساط تسرّب معلوماتٍ عن أنّ باسيل قد يطرح اسم أرسلان لتولي حقيبة سيادية من وزن وزارة الدفاع، وهو ما لن يرضى به جنبلاط مطلقاً بطبيعة الحال.
ولأنّ العلاقة بين جنبلاط وباسيل ليست جيّدة من الأصل، فإنّ "العتب" لن يكون إلا على الحريري، الذي يضع "الاشتراكيون" الكرة في ملعبه، لأنّه وحده من يقرّر الآليّة التي سيتعمدها لتأليف حكومته. وفي هذا السياق، هم يستندون إلى أنّهم أثبتوا في الانتخابات الأخيرة "زعامتهم" بحصدهم سبعة مقاعد من أصل ثمانية مقاعد للدروز في المجلس النيابي، علماً أنّ المقعد الثامن تركوه أصلاً شاغراً لأرسلان حفاظاً على "التنوّع داخل الطائفة"، كما يقولون، في حين أنّ الأخير لم يستطع تأمين فوز أيّ من مرشحيه الآخرين، ما يجعل توزيره غير منطقي، بل يفتح المجال على توزير كلّ من تمثّلوا ولو بمقعدٍ واحدٍ في المجلس، وعلى رأس هؤلاء المستقلون بطبيعة الحال.
"الردّ جاهز"
بالنسبة لجنبلاط، فإنّ الردّ جاهزٌ على أيّ إصرارٍ على "توزير" أرسلان رغماً عنه، وهو ما يشتمّه من تصريحات الوزير باسيل ويخشى أن "يبصم" الحريري على أقواله كما جرت العادة. فإذا كان الحريري يعتقد أن مقعد أرسلان "اليتيم" في المجلس كافٍ لتوزيره، فإنّ الأولى به في هذه الحال تطبيق ذلك على منافسيه في الساحة السنية، وبهذه الحال يصبح من حقّ النائب المنتخب فؤاد مخزومي على سبيل المثال لا الحصر، وهو الذي لم يوفّره الحريري في حملاته الانتخابية، أن يوزَّر في الحكومة، شأنه شأن أرسلان.
قد لا تصل الأمور بين جنبلاط والحريري إلى هذا الحدّ، وقد يحصل اللقاء المرتقب بينهما في القريب العاجل، ويطوَّق الإشكال بينهما كما حصل في السابق، إلا أنّ الأكيد أنّ "تراكمات" الخلاف الناتج عن تحالف الحريري مع "التيار الوطني الحر"، أو ما لا يتردّد بعض "الاشتراكيين" بتوصيفه بـ"تبعية" الحريري "المفرطة" لباسيل، لا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل...