دعونا من الانتخابات وتفاصيلها وحكايتها التي لا تنتهي والتي تشبه الى حدٍّ كبير "أخبار الأفاعي"... دعونا من انتخابات أقل ما يقال فيها بأنها رمتنا في أيادي مجلس نيابي لن يقدّم شيئاً جديداً للبنان بل سيكون نسخةً طبق الأصل وإنما منقّحة عن المجلس القديم... دعونا من كل ما ورد في المقدمة لنتكلّم قليلاً عن سؤال لم يستطع المواطن الناخب أن يجدَ له جواباً هل السلطة تبدل بمَن يستلمها؟.. أو هي تفجر مكنوناته الداخلية فيظهر على حقيقته التي لطالما أحسن تغليفها وعمل على تخبئتها ومحاربتها؟ وهل هذه السلطة تستطيع أن تشقلب أولويات الثائر المتحمّس للتغيير فتحوله إلى مجرد شاهد زور أو مشارك بكل موبوءات الحكم وجرائمه؟؟؟...
مناسبة هذا السؤال لا تأتي من فراغ أو من العدم ولا هي مجرد تساؤلات فلسفية إنما فرضتها وقائع القرار الذي اتّخذه مجلس الوزراء مجتمعاً في جلساته الاخيرة من عمر حكومة تلفظ انفاسها والقاضي بالترخيص غير المبرَّر لمشاريع سياحية على الشاطئ اللبناني... فأنا كنتُ ظننت أو خُيّل لي بأنني تعوّدت على مخالفات هؤلاء الذي يدّعون حكمنا لم تفاجئني أخبارُهم الانتخابية، او تقاسمُهم المفضوح والمعيب لمغانم السلطة، أو عجزهم جميعاً عن تأمين الكهرباء والماء، أو حلّ مشكلة النفايات بكل ما فيها، ولكن أن تمرّر الحكومة بكل هدوء وعلى «السكيت» هذه المشاريع المشبوهة ضاربةً بعرض الحائط لرفض جامع من قبل المجلس الأعلى للتنظيم المدني المخوَّل قانوناً إعطاء التراخيص لمثل هذه المشاريع، أصابني بالقرف وبالخوف وبالدهشة وبإعادة طرح الأسئلة القديمة عن أولئك القابضين على السلطة...
قد يقول بعضٌ من المتحمّسين بأنّ مجلس الوزراء مارس حقه بالقبول... طيب ولو فرضنا أنّ الأمر صحيح من الناحية القانونية، لماذا الاستعجال بتمرير هذه الصفقة المعيبة بالمخفي ألم يكن من الأفضل الانتظار لحكومة جديدة تنال ثقة المجلس المنتخب؟؟؟... وهل عدم إعطاء هذا الترخيص اليوم كان سيؤدّي الى شلل في المؤسسات ويؤثر على الاقتصاد الوطني؟؟؟... وقد يقول البعض الآخر بأنّ هذه المشاريع ستحرّك قطاع البناء والسياحة ولكن مهلاً هل التعدّي على الشاطئ وخرق القانون البحري (الفرنسيون الذين حكمونا كانوا أرحم مع هذا الشاطئ منا) سيؤدّي الى جلب سياح جدد؟؟؟... تعلّموا من جارتكم قبرص وشواطئها العذراء المفتوحة أمام الجميع والتي تجذب سنوياً اليها ملايين السياح؟؟؟ ترى ألم يزرها يوماً المستشارون المتهمّون علناً وسرّاً ًبتغطية هذه التهريبة؟؟؟...
وقد يصرخ البعض في وجهنا طالباً التمييز بين الوزراء فمنهم مَن سجّل اعتراضاً، ولكنّ هذا الموقف لا يكفي، كان من المفروض تعطيل اتّخاذ القرار بكل الطرق المتاحة فالتعدّي على الشاطئ لا يمكن إصلاحه مستقبلاً، هو قتل لهذا الطفل الذي لم يولد بعد ولا يستطيع أن يصرخ أو أن يعترض أمام جلّاديه، سيموت ولكنه سيقتل معه بلداً بكامله وتاريخَ أمّة وآماكن الطفولة ولن يجلب سائحاً واحداً... ما حدث في مجلس الوزراء جريمة ونقطة على السطر...
لنعود الى السؤال الأساسي مَن يبدل مَن؟ ومهما كان الجواب إلّا أنّ النتيجة واحدة، والتجربة تؤكّد بأنّ ما قبل استلام السلطة ليس كما بعدها، والقابضون الجدد عليها ينزعون المرايا من مراكزهم كي لا يروا أفعالهم الجديدة التي لا تشبه وعودَهم ولا أحلامَ مناصريهم....