في كل عام نحتاج أن نجدد العهد ونُحكم الميثاق مع أنفسنا بإتجاه ماهو مطلوب منّا في إدارة شؤوننا الخاصة والعامة، والتي لا يستطيع أحد أن يخرج من هذا التكليف والمسؤولية. فكل واحد منّا يحمل مسؤولية خاصة بإتجاه نفسه وخصوصياته وبإتجاه أعماله وتصرفاته، فإنها محسوبة عليه، يُحاسب عليها ممن حوله ويُسأل عنها من قِبل ربّه يوم يقف بين يديه، فلا يمكننا الفرار من مُساءلة الناس ولا محاسبة الخالق الجبّار.
وهنا تكمن الخطورة وتتضاعف المسؤولية ونشعر بالعبء الكبير الذي يفرض علينا رقابة دقيقة، نحسب من خلالها كل تصرفاتنا، بل لابد علينا أن نحصي على أنفسنا أنفاسنا كيف تمر وكيف تنقضي.
وأما إذا أردنا أن ندرس مسؤولياتنا أمام الآخرين، فهي أدق وأخطر وكلما كان أحدنا بموقع مسؤولية أكبر كان معنيٌ بالآخرين أكثر ويُسأل عنهم.
ومن حقهم أن يطالبوه لأنه وضع نفسه بموضع المسؤول فلا بد وأن ينهض بأعباء هذه المهمة.
ومن أعظم وأدق المواقف بين يدي الله تعالى يوم القيامة، حينما يُسأل أحدنا عن حقوق الآخرين.
ونحن الْيَوْمَ ندخل هذا الشهر المبارك وفِي هذه الأجواء المشحونة بالبغضاء والفتن، علينا أن ندرك المسؤولية الملقاة على عاتقنا، لإنقاذ المجتمع من براثن هؤلاء المتربّصين بِنَا في الدوائر، ونرى في كل يوم جميع أنواع الفتك، وآلة الحرب تخطف أرواح الأبرياء، بداية من أرض القهر والمواجهة فلسطين، حيث يواجه الأطفال والعزّل أعتى قوة ظالمة لا تعرف الرحمة ولا ترأف بطفل صغير ولا شيخ كبير.
الى أرض اليمن وما يمر عليها، والعالم كله مُطبق بسكوته وكأنه ينظر لمن ستكون الغلبة، ومرورا بكل قطرة دم تُسفك من بريء أعزل لا يجد له ناصرا على ظالمه الا الله تعالى.
هنا تتجلى المسؤولية أكثر، وتصبح المهمة أعظم، وعندها لا بد لنا أن ندرك معنى أننا ندخل شهر الله تعالى حتى نأخذ منه الرحمة والمغفرة، ونحن لا نعيش الرحمة والمغفرة مع بَعضنا البعض، ولا نعمل من اجل بناء مجتمع يعيش على أساس التكافؤ والمساواة وإيقاف الظالم عند حدّه، وألاّ نكون جزءًا من ظلمه بسكوتنا عن جرائمه وفظاعة أعماله.
نحتاج في هذا الشهر المبارك العودة الى تلك النقطة المهمة التي رسم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) من خلال مسؤولية كل فرد منّا حين قال "كلكم راع ٍ وكلكم مسؤول من رعيته".