أكد بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الكاثوليك يوسف العبسي، في كلمة له خلال زيارته الى مدينة صيدا، أن "هذا الجمال اللبناني الفريد ليس جمالا وحسب بل هو رسالة للعالم تعلن أن العيش معا في وطن واحد ممكن بل هو مطلوب ولو بلغ حد التحدي، ولو عكر صفوه معكر في بعض الأحيان، بسبب ضعفنا البشري، لقناعتنا بأن التنائي والتجافي لا يقودان إلا إلى الانتحار والموت إذ ينافيان إرادة الله الحي الواحد الذي يعبده الجميع"، لافتاً الى أنه "يطيب لي في هذا الصدد أن أنقل إليكم مقطعا من الرسالة التي بعث بها الفاتيكان إلى المسلمين بداعي شهر رمضان الفضيل "إننا إذ نعترف بما نشترك فيه ونظهر الاحترام لاختلافاتنا المشروعة يمكننا أن نرسخ بمزيد من الحزم أساسا متينا لعلاقات سلامية وأن ننتقل من المنافسة والمواجهة إلى التعاون الفعال من أجل الصالح العام. هذا مفيد بشكل خاص للمحتاجين ويمكننا جميعا من تقديم شهادة صادقة لحب الله عز وجل للبشرية جمعاء".
وتابع بالقول "أما صيدا فهي القلب في كل ذلك وهي العنوان، ليس اليوم وحسب بل منذ أن كانت، وآخر شاهد هو ما نراه اليوم من عودة بعضنا إلى بعض ولو خطوة خطوة، بعد المحنة التي مررنا بها في الأحداث اللبنانية الأخيرة في القرن الماضي"، ذاكراً "اننا نرجو الله أن نكمل هذه المسيرة لأننا أردناها ونريدها، ولأن الأوطان لا تبنى إلا بإرادة بنيها، ونحن قد أردنا كلنا لبنان وطنا نهائيا لنا تجمعنا المواطنة". كما اعتبر أن "إلا أنه في حين ننعم نحن معا بوطننا لا يزال إخوة لنا يعانون من الإسرائيليين من الظلم والقتل في غزة خصوصا ومن الظلم والتشرد في خارج فلسطين لأنهم يدافعون عن أرض ووطن يريدون أن ينعموا بهما كسائر شعوب الأرض"، مناشداً المجتمع الدولي وأصحاب النيات الطيبة أن "يسعوا، ونحن معهم ساعون، لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية التي تجاوز فاعلوها حدود الأخلاق والأعراف والمواثيق على مرأى ومسمع العالم كله، وإلى وضع حد للمأساة الكبرى بإنصاف الإخوة الفلسطينيين في حق العودة وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف".
وذكرا أنه "فيما كنت أفكر بزيارة مدينتكم المتكئة في السهل المتطلعة إلى البحر شعرت بأنني أدخل إلى أعماق التاريخ وارتسم في مخيلتي ما شهدته من شعوب مرت عليها غازية ولكنها ما استطاعت أن تنال من إرادتها في الحياة، يشهد على ذلك قلعتها الصامدة، فكانت صيدا تصحو بعد كل نكبة وتنهض آبية أن تموت واليوم إذ نشهد العمران الجميل الذي يزينها في مختلف مرافقها نهنئ أهلها ونهنئ ونشكر البلدية، رئيسا وأعضاء، على الإنجازات التي صنعوها وعلى المشاريع التي يسعون إلى إنجازها، ماشين في خط الأجداد والآباء، وندعو لهم بالنجاح والتوفيق من أجل ازدهار صيدا ورفاهيتها ورقيها قلت القلعة الصامدة لكن قلعة صيدا ما كانت قط لرد الغزاة وحسب بل كانت أيضا منصة للابحار في رحاب العالم ونشر الحضارات المتعددة التي توطنت فيها والتي جعلت من مواطنيها أهل الانفتاح والاعتدال وقبول التنوع، وهم الأكثر دراية بأن البحر يثور يوما ويهدأ يوما، وبأن المركب ينساب حينا ويضطرب حينا، لكن ليس من غنى لا عن هذا ولا عن ذاك إذا أردنا النجاح في خوض البحار والبلوغ إلى الطرف الآخر".
وختم العبسي بالقول أن"هذه الزيارة كان مخطط لها في غير هذا الوقت إلا أن الظروف شاءت إلا أن تكون في شهر رمضان الفضيل حيث تتعانق القلوب وتتآلف الأفكار. هي إصبع الله الحكيم العليم التي تخط الدرب وتدلنا عليه. فنشكره وندعو إليه أن يتقبل صيام عبيده وصلاتهم وزكاتهم وأن يكافئ جهادهم الروحي بغزير بركاته وأن يبلغهم راضين شاكرين إلى الفطر السعيد".
بعد الاستقبال الرسمي والشعبي الذي أقيم امام مبنى بلدية صيدا توجه العبسي مع الفاعليات التي كانت في استقباله الى كاتدرائية مار نيقولاوس للروم الكاثوليك داخل السوق التجارية سيرا، وتقدمت الموكب الفرق الكشفية على وقع أجراس الكنائس، ولدى وصوله الى الكاتدرائية ترأس قداسا في حضور النواب زياد اسود وميشال موسى وسليم خوري وعدد من فاعليات منطقة صيدا وجزين وأبناء الرعية.