بعد لقاء رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بالنائب جميل السيّد في مجلس النواب، ضمن الاستشارات التي يُجريها الحريري لتأليف الحكومة، خرج السيّد ليتحدث بإسهاب عمّا دار بينه وبين الحريري. الإجتماع هو الأول من نوعه. ما يباعد بينهما، اكبر من خلاف سياسي تفصيلي، وهو ما حاول السيّد استحضاره، لطي صفحة الماضي، والتأسيس لمرحلة جديدة، يستطيع فيها السيّد فرض نفسه في لعبة السياسة اللبنانية الحالية. فهو لم يقطع علاقته مع السعودية، وشارك في مناسبات أقامتها سفارتها في بيروت، على الأقل، قام بواجب العزاء بالملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بعد خروجه من السجن.
بدا النائب المستقل مهتمّاً جداً بلقاء الحريري. بعد خروجه من الاجتماع في مجلس النوّاب، صرّح السيّد لمدة عشر دقائق تقريباً، تحدث ثماني دقائق منها عمّا قاله للحريري. مع العلم، أن مدّة اللقاء بين رئيس الحكومة المكلّف والنائب، محدّدة بعشر دقائق، يعني أن السيّد تحدث لثماني دقائق في الاجتماع، مقابل دقيقتين للحريري.
في قراءة سياسية للأبعاد التي اراد السيّد أن يُظهرها، هي فتح صفحة جديدة في العلاقة مع الحريري، قائمة على أساس: تباين سياسي لا يُفسد في العلاقات قضية. تركيز السيّد على ملف "شهود الزور"، والتحقيق الدولي في قضية إغتيال رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري تندرج في السياق نفسه.
لو كان السيّد لا يريد طي الصفحة الماضية على أسس سياسية، لم يكن ليفتح هو الملف، في لقاء استشاري مُخصّص للحكومة العتيدة فقط. النائب الجديد إستحضر في اجتماعه قضية "حجز" الحريري في السعودية، ليذكّر بموقفه المتضامن آنذاك، مع رئيس الحكومة. كل ما استحضره السيّد في الاجتماع وعاد وكرّره في التصريح، يوحي بأن اللواء السيّد يسعى لإستعادة دور سياسي فقده منذ إستقال من إدارة الأمن العام، ودخل بعدها السجن عام 2005.
بالتأكيد، ما يفعله السيّد هو ما يريده المواطنون في بعلبك-الهرمل. هو دور طبيعي، يُظهر التقصير الفادح عند وزراء ونواب بعلبك، الذين قضّوا سنوات طويلة عاجزين عن الحل والربط. أتى جميل السيّد ليحرّك الرأي العام، ويفرض إراداتهم، في ظل غياب باقي النواب. هذا ما يقوله مواطنون في البقاع.
لكن تبريرات السيّد في تصريح ساحة النجمة، تُخفي قلقاً عند زملائه الآخرين، لن يستطيع كبته، وتحديداً نواب "حزب الله" و حركة "أمل". فماذا يريد السيّد؟ بالطبع لن يكون كغيره. هو يعتبر نفسه متمايزاً عنهم. هم لم يفرضوا انفسهم في المعادلة السياسية، وبقي نواب بعلبك-الهرمل في السنوات الماضية عاجزين عن الاجتهاد، ينتظرون الإشارات والتعليمات والبيانات، بينما يريد السيّد أن يُترجم إستقلاليته في مسار زعامة بقاعية تتخطّى لاحقاً بعلبك-الهرمل.
تغريداته المتعددة بشكل يومي، سينقلها الى تصريحات بدأت في ساحة النجمة بعد الاجتماع مع الحريري، ويُتوقع أن تكون نجمة الجلسات النيابية، مستفيداً من قدرته الخطابية، وخبرته السياسية، واستقلاليته، وعلاقاته، وملفاته الأرشيفية التي يحفظ فيها أدوار السياسيين ونقاط قوتهم وضعفهم.
سبق السيّد زملاءه بأشواط، وأظهر عجز زملائه الذين إستمروا نوابا للبقاع الشمالي منذ التسعينات، فهل تقف اندفاعته عند هذا الحد؟ خصوصاً ان موضوع مبنى محافظة بعلبك-الهرمل، أظهر تبايناً شاسعاً بينه وبين زملائه، ولم يستطع فرض طرحه بأن يكون المبنى في المدينة، في ظل إصرار "حزب الله" على نقله الى الجرود.
ثم اتت اتصالاته وتغريداته حول الموضوع الأمني، بغرض تعرية تقصير القادة الأمنيين والعسكريين، الذين إتهمهم ضمناً بالفشل في أداء أدوارهم. لم ينسّق السيّد مع الحزب مسبقاً في شأن هجومه على القادة الأمنيين، وهو كان محط نقاش، فهل يُحرج السيّد "حزب الله"؟.
كل تغريدات السيّد توحي بأنه ماضٍ في نهجه، وسط تأييد شعبي لافت، يزداد حوله. لن تمحي تبريرات السيّد حقائق التباين مع زملائه ومرجعياتهم. قد يضطرون للّحاق به. لكن وهج الرجل، لا يمكن أن يبتكره أي من النواب المجرّبين طيلة عقدين.