حتى الساعة لا يزال أغلب الأفرقاء، المعنيون في عملية تأليف الحكومة المقبلة، يصرّون على التأكيد بأن العملية ستكون سريعة، في ظل غياب العراقيل الكبيرة التي تحول دون ذلك، وتأكيد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على تعاون مختلف الأفرقاء معه، إلا أن المفاجأة كانت بالزيارة التي قام بها الحريري إلى السعوديّة، مباشرة بعد الانتهاء من الاستشارات النيابية غير الملزمة، في مؤشر على وجود عملٍ من المفترض أن ينجزه مع المسؤولين في الرياض، قبل استكمال مشاوراته، نظراً إلى أن المملكة لا تزال لاعباً أساسياً على الساحة المحلية، بعد أن عمل على ابعاد الشخصيات "المستفزّة" لها عن قيادة تيار "المستقبل".
في هذا السياق، تتحدث مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن الهدف الأساسي من زيارة رئيس الحكومة المكلف إلى السعودية هو تسهيل مهمته، لا سيما أن الرياض لم تهضم بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، بعد التقدم الذي أحرزته قوى الثامن من آذار بالتحالف مع "التيار الوطني الحر"، وتوضح أن العقوبات التي سارعت إلى فرضها، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، على قيادات في "حزب الله" تصب في هذا الاتجاه.
من وجهة نظر هذه المصادر، هناك قلق لدى المملكة من اختلال التوازن في المجلس النيابي، بعد أن بات "حزب الله" يملك الأكثرية التي تؤهله الامساك بالقرار على مستوى السلطة التشريعيّة، وهي لا تريد أن ينعكس ذلك على مجلس الوزراء المقبل، في ظل "الكباش" القائم على مستوى المنطقة بين مختلف اللاعبين، وتذكر بأنه سبق لها أن أقدمت على خطوة اجبار الحريري على تقديم استقالته للأسباب نفسها، وبالتالي لا شيء يمنعها من تكرار السيناريو نفسه في حال شعرت بأنها فقدت القدرة للحفاظ على نفوذها.
على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى الجولات، التي قام بها السفير الإماراتي في لبنان حمد الشامسي والقائم بالأعمال السعودي وليد البخاري على بعض الشخصيات السياسية بعد الاستحقاق الانتخابي، والتي تؤكد أن الهدف منها كان محاولة لملمة القوى التي تدور في فلك الرياض، بهدف الحد من الخسائر التي لحقت بها، وتضيف: "اليوم تسعى المملكة إلى تأمين حصول حلفائها على الثلث المعطل في الحكومة المقبلة، لما يشكله ذلك من دور على مستوى القرارات المصيرية"، وتلمح إلى الحديث عن حصة وزارية لرئيس الحكومة كما هو الواقع بالنسبة إلى رئيس الجمهورية.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، ما تقدم لا يعني، على عكس ما يتم الترويج له، بأن السعودية تريد ضمان حصول حزب "القوات اللبنانية" على حصة وزارية وازنة، بالرغم من أنها ستمارس ضغوطاً على رئيس الحكومة المكلف من أجل ذلك، بل أن جوهر القضية هو التوازن الذي تريد الحفاظ عليه، واليوم لا تستطيع أن تؤمن ذلك إلا من خلال الحريري و"القوات" معاً، في ظل غياب القوى والشخصيات الأخرى التي تدور في فلكها عن المجلس النيابي.
في الجهة المقابلة، لدى هذه المصادر قناعة بأن باقي الأفرقاء يدركون هذا الواقع جيداً، الأمر الذي سيدفعهم إلى تسهيل مهمة الحريري، خصوصاً أن الحفاظ على الاستقرار المحلي يبقى الأولوية، وتشدّد على أن قوى الثامن من آذار، لا سيما "حزب الله"، لن تذهب إلى فرض شروط تعجيزية على رئيس الحكومة المكلف، ولا إلى خوض معارك على الحصص تظهره في موقع "المهزوم"، وتضيف: "وجود الحريري على رأس الحكومة لا يزال ضرورياً بالنسبة إلى هذه القوى".
في هذا الإطار، تشير المصادر نفسها إلى الدور الذي يقوم به كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري على هذا الصعيد، وتدعو إلى انتظار عودة الحريري إلى لبنان لاستكمال مشاورات التأليف، من دون تجاهل القوى الاقليمية والدولية القادرة على لعب دور ايجابي، لتبيان الخط الأبيض من الأسود.