لم يعد خافياً على أحد وجود عقدتين أساسيّتين سيصطدم بهما رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في مسار تأليف حكومته الثالثة، والثانية في عهد الرئيس ميشال عون، ألا وهما العقدة الدرزية في ضوء إصرار "الحزب التقدمي الاشتراكي" على حقه باحتكار المقاعد الوزارية الدرزية في مقابل اعتبار "الحزب الديمقراطي اللبناني" أن الكتلة الرباعية التي أسّسها الوزير طلال أرسلان كفيلة بإعطائه مقعداً، والعقدة المسيحية في ضوء الكباش المتصاعد بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" على الحصص والحقائب وصولاً إلى نيابة رئاسة الحكومة.
وإذا كانت "العقدة الشيعية" التي حُكي عنها سابقاً والمتعلقة بحقيبة المال بحكم المنتهية بعدما سلّم معظم الفرقاء بتركها في يد "حركة أمل" شرط عدم تكريس "عرف" لا ينصّ عليه الدستور، فإنّ بوادر "عقدة سنية" بدأت بالظهور لا يبدو أنّها تقلّ شأناً عن سواها، في ضوء "تلميحات" رئيس الحكومة بإبقاء القديم على قدمه، من حيث سيطرة "تيار المستقبل" على المقاعد السنية، وذهابه لحدّ الحديث عن "حصّة لرئيس الحكومة"، ما أثار الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب...
حصص جدليّة...
في حين يستمرّ الجدل حول حصّة رئيس الجمهورية، التي يعتبرها "العونيون" خارج النقاش، ويصرّون على الفصل بينها وبين حصّة "التيار الوطني الحر"،ما يرفضه "القواتيون"، الذين يقولون إنّهم سيمثلون "حصة الرئيس" عملياً، برز حديث رئيس الحكومة المكلف عن "حصّة لرئيس الحكومة" أيضاً، إلى جانب حصّة "تيار المستقبل" الذي يرأسه، ما طرح أكثر من علامة استفهام عن موقع هذه الحصص ليس في الدستور فحسب، بل في الواقع السياسيّ.
فإذا كانت حصّة رئيس الجمهورية باتت بمثابة "عرف" متّبَع منذ اتفاق الطائف، وتكرّس في اتفاق الدوحة الذي أعطى الرئيس السابق ميشال سليمان حصّة وزارية معتبَرة لإعطائه دور "الحَكَم" في ظلّ الانقسام الذي كان سائداً بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، ثمّة من يقول انّ ما كان ينطبق على العهود الرئاسية السابقة لا يفترض أن ينطبق على "العهد القوي"، باعتبار أنّ من نقاط القوة التي تباهى بها مؤيدو عون أنّها المرة الأولى التي يصل فيها إلى سُدّة الرئاسة شخصٌ يمتلك كتلة نيابية قوية. ولأنّ هذا الأمر تكرّس في الانتخابات النيابية الأخيرة التي لم يتردّد "التيار الوطني الحر" في خوضها تحت شعار "لوائح العهد"، يصبح من المنطقيّ بنظر هؤلاء أن يكون التكتل الذي انبثق عن هذه اللوائح هو الذي يمثّل رئيس الجمهورية، ولا حاجة ولا إمكانية أصلاً للفصل بين الحصّتَيْن، سوى إذا كان الهدف "تكبير الحجم" ليس إلا. ويستدلّ هؤلاء على ذلك بالعودة إلى الحكومة السابقة التي كان فيها للرئيس حصّة مختلفة عن حصّة "التيار"، إلا أنّهما دُمِجتا بشكلٍ أو بآخر في أذهان المواطنين على الأقلّ، بدليل أنّ الوزير طارق الخطيب مثلاً الذي كان من حصّة الرئيس خاض المعركة الانتخابية ضمن لوائح "التيار الوطني الحر".
عموماً، قد يقول قائل إن رئيس الجمهورية يسعى منذ انطلاقة العهد إلى البروز بصورة مختلفة غير حزبية، خصوصاً بعدما تنحّى قبل انتخابه من رئاسة "التيار"، وبات يعمل ليكون "بيّ الكل" كما أطلق البعض عليه، وبالتالي فمسألة أن تكون لديه حصّة عابرة للطوائف هي حقٌ من حقوقه. إلا أنّ هذا المنطق لا يسري بالضرورة على رئيس الحكومة، الذي لا يزال رئيس "تيار المستقبل" حتى تاريخه، ما يدفع كثيرين إلى تساؤل أكثر من مشروع، إذ كيف يمكن أن يكون لتيّار حصّة في الحكومة ولرئيسه حصّة أخرى منفصلة أو منعزلة عن الحصّة الأولى، حتى لو كان صحيحاً أنّ رؤساء حكومة سابقين مُنِحوا هذا الامتياز كرئيس الحكومة السابق تمام سلام مثلاً، الذي يبقى مستقلاً على رغم تحالفه مع "تيار المستقبل"؟!.
لتوحيد المعايير
من الواضح إذاً أنّ ما ينطبق على العهود السابقة لا ينطبق بالضرورة على "العهد القوي"، فإذا كان الكثير من رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين من النوع الوسطي أو الحيادي، الذي يفتقد الحيثية الشعبية، فإنّ من المسلَّم به أنّ ما يميّز رئيسي الجمهورية والحكومة اليوم أنّهما يملكان كتلاً نيابيّة تدعمهما وتقف خلفهما. وهذا الأمر يوجب تلقائياً القول إنّ حصّتهما يفترض أن تكون "محفوظة" من خلال القوى والتيّارات التي يمثلانها، خصوصاً إذا كانت "المعايير" الموضوعة لتشكيل الحكومة تنبثق من تمثيل "نسبيّ" للمجلس النيابي، كما هو مطروح حالياً، لأنّ مثل هذه "الحصص" لن تضرب هذه المعايير في الصميم فحسب، بل ستضخّم كذلك حجم كتلٍ على حساب أخرى، بل ستعطي البعض ما يزيد على الثلث المعطّل في الحكومة، بما قد يوقظ الكثير من الهواجس.
انطلاقاً من ذلك، يرى البعض أن رئيس الحكومة المكلف يعتمد شعار "حصّة رئيس الحكومة" لعدم التسليم بـ"التنوّع" الذي أفرزته الانتخابات النيابية داخل الطائفة السنية، خصوصاً في ضوء الحديث عن "تكتّل" سني قوامه عشرة نواب يحقّ لهم بحقيبتين وزاريتين على الأقلّ، في حين أن الرجل لا يبدو مستعداً لإعطاء حقائب من كيسه إلا على طريقة "التبادل"، بمعنى توزير مسيحي مثلاً مقابل الوزير السنّي الذي يعطيه لهذا الفريق أو ذاك، كما فعل في الحكومة السابقة بتوزير غطاس خوري مقابل طارق الخطيب. إلا أنّ هذا الأمر قد لا يستقيم، باعتبار أنّ هناك قوى سنية أخرى من شأنها إذا اتحدت أن تفرض تمثيلها، انطلاقاً من أنّ الانتخابات وإن كرّست سيطرة "المستقبل" سنياً، كرّست أيضاً حضوراً وازناً للكثير من الشخصيات المنافسة الأخرى.
وإذا كان تحوّل الأمر إلى "عقدة" يرتبط بموقف حلفاء هؤلاء النواب لا سيما في الثنائي الشيعي وما إذا كان الأخير سيخوض "معركة" لتمثيلهم تحت طائلة التهديد بفرط الحكومة مثلاً، فإنّ ثمّة من يدعو لتوحيد "معايير" التشكيل لحلّ كلّ العقد، إذ لا يجوز مثلاً أن يدافع الحريري أو غيره عن توزير النائب طلال أرسلان وهو الذي لم يحجز أكثر من مقعد نيابي درزي وحيد في المجلس النيابي، ويحرم عشرة نواب سُنّة في المقابل من تمثيل "مستحق" في نظرهم، يشمل على الأقل "تيار العزم" الذي أسّس كتلة نيابية رباعية، والوزير السابق فيصل كرامي، المنخرط في "التكتل الوطني"، وبالتالي ما يسري على أرسلان يفترض بالضرورة أن يسري عليهما، وإن لم يكن العكس صحيحاً.
ماذا عن بري؟
في ضوء الحديث عن "حصة" لرئيس الجمهورية منفصلة عن حصّة "التيار الوطني الحر" الذي يمثّله، و"حصة" لرئيس الحكومة منفصلة عن حصّة "تيار المستقبل" الذي يرأسه ولا يمثله فحسب، ثمّة من خرج ليطرح ضرورة أن يكون لرئيس المجلس النيابي نبيه بري في ضوء ذلك "حصّة" هو الآخر منفصلة عن حصّة "حركة أمل" التي يرأسها، انطلاقاً من مبدأ التوازن والمساواة.
وأياً كان المغزى من فتح الحديث عن "الحصص الرئاسيّة"، فإنّ الواضح أنّ تلبية رغبات الجميع يتطلب حكومة خمسينيّة بالحدّ الأدنى لا عشرينيّة ولا ثلاثينيّة، والأكيد أكثر من هذا وذاك أن عقل "المحاصصة" يتمدّد في "العهد القوي" بدل أن يتراجع...