رأت مصادر سياسية متابعة للتطورات في سوريا منذ تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العسكري في هذه الازمة، ان موسكو انتصرت حيث تمكنت من إنقاذ نظام بشار الاسد من السقوط المحتم، والأهم من هذا انها استفادت من دورها في الازمة لتشكيل توازن على مستوى المنطقة بين قوى تبدو غير قابلة للاتفاق، وهي اسرائيل، تركيا وإيران، وهو توازن حساس ودقيق، وقد يحمل عوامل لا تساعد على الاستقرار، الا ان حاجة موسكو الملحّة لتجنب الصدام بين طهران وتل ابيب، كما الى احتواء الصدام بينهما إن حصل، وهذا ثابت في المواجهات العسكرية الاخيرة بين الدولتين وبالتالي فان روسيا لا بدّ من أن تعزز نفوذها سواء ارتفع التوتر او انخفض.
واضافت المصادر اذا كان المقياس القدرة المجرّدة، فإن الولايات المتحدة الاميركيّة تبقى متفوقة تفوقا كبيرا، وان بدت المقوّمات العسكرية الروسية ضعيفة بالنسبة للولايات المتحدة على مستوى العالم، فإنها في سوريا في موضع مناسب لتحقيق رؤية واضحة بعيدة المدى، فيما العمليات الميدانية المتمادية والتي تقوم بها واشنطن في سوريا تبدو وكأنها تفتقد للتوجه الصحيح المتجانس، وبالتالي فإنّ مسار جنيف حسب المصادر، والذي جرى تطعيمه بقرارات صادرة عن مجلس الامن ليشكّل مسعى للإصلاح في سوريا، كان قائما على فرضية ان النظام مأزوم وانه لا بد من تغييره في نهاية المطاف، إنما عبر الوسائل السلمية، اي ان مسار جنيف اعتبر ان رحيل نظام دمشق أمر واقع وان كان مؤجلا، وان دور المجموعة الدولية بما فيها روسيا، هو العمل على تحقيق انهيار نظام الاسد الذي فقد صلاحيته، اما الواقع، فهو ان المساهمة الروسية في مسار جنيف كانت تهدف الى تشتيت القرار الدولي من خلال شحنه بالابهام، وتقديم القراءات البديلة له، والمسألة، من وجهة نظر روسية لم تكن فقط للعرقلة، بل كانت سعيا حثيثًا الى تأخير الحل، ريثما تستكمل موسكو خطة الإنقاذ والتعويم للنظام .
وتابعت المصادر ان موسكو عمدت الى اطلاق مسارين متوازيين لمنافسة الجهود الدولية، الاول هو مسار آستانة الامني، حيث كان العنوان خفض التوتر، فيما المسار الثاني في سوتشي دعا للحوار ولخطة عمل سياسية للانقاذ .
واعتبرت المصادر ان هذا الواقع الروسي الجديد في سوريا سببه الدهاء والحنكة لدى موسكو، ولكنه يقارب تخلّي واشنطن عن حلفائها وعدم القيام بواجبها تجاههم، وان احد العوامل الحاسمة كان افتقاد ادارة الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما للرؤية الواضحة وللمبادرة تجاه سوريا، وحالة القصور هذه ما زالت مستمرة حتّى اليوم .
ولفتت المصادر ان افتقاد واشنطن للحزم والقدرة على رسم طريق واضح للسير قدما في الشأن السوري قد أتاح المجال لموسكو لملء الفراغ، كما دفع اسرائيل الى المزيد من التنسيق مع الكرملين لضمان ان تبقى المصالح الإسرائيلية الامنية في الاعتبار ضمن اطار الإشراف الروسي على دقائق الامور السورية.
وخلصت المصادر الى قناعة بأن الولايات المتحدة الأميركية قد تخلفت عن تقديم الدعم الصادق للانتفاضة السورية يوم كانت فرص النجاح مرتفعة. ومن العبث توقّع ان تقدم اليوم، على اي دعم جدّي، على الرغم من أنّ واشنطن قادرة الان ان تفسد الانتصار الروسي، وان تدفع سوريا باتجاه المزيد من النزاع والقتال، وسيكون ثمن ذلك المزيد من دماء السوريين. والمؤسف في هذا كله وبحسب المصادر، انه لا يوجد أيّ مؤشر ولو بشكل ثانوي ان للجامعة العربية او لمنظمة المؤتمر الاسلامي، على اي دور في تقرير مصير دولة عربية مثل سوريا، لا بل تتمّ المراقبة على احتمال تفكك هذه الدولة التي اصبحت مسرحًا لصراع دولي من الصعب اليوم التنبؤ بنتائجه .