منذ لقاء القمة الأخير في سوتشي بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، بدأ حبر أقلام المحللين والمراقبين يسيل في اتجاهات عدة خصوصاً بعد أن صرح الرئيس الروسي قائلاً: إن سورية وافقت على تفعيل المسار السياسي، تلاه موقف سوري أعلن عن تسليم سورية قائمة بأسماء أعضاء «لجنة مناقشة الدستور»، وجاء ذلك بالتزامن مع نجاح الجيش العربي السوري بإنهاء وجود الفصائل الإرهابية من كامل منطقة الغوطة بشقيها ومخيم اليرموك الذي شكل في وقت من الأوقات العقدة الكأداء لأمن العاصمة دمشق.
البعض ذهب في تحليله إلى حد القول إن ضغطاً روسية مورس على سورية للدخول بصفقة تقضي بالاكتفاء بما تحقق حتى الآن من انتصارات ميدانية واستكمال الباقي عبر مسار سياسي تضمنه موسكو.
البعض الآخر ذهب إلى حد اتهام روسيا بالعمل على تأمين مصالحها وتعزيز دورها على الساحة الدولية من خلال الاتفاق مع العدو الإسرائيلي على حساب سورية ومحور المقاومة.
جاء هذا الاتهام لروسيا معززاً بعد تصريحات أدلى بها المندوب الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الذي قال إن اتفاقاً يقضي بضرورة سحب القوات الإيرانية وحزب الله من جبهة الجنوب السوري قد تم، وما ساعد بعض المحللين للذهاب بمخيلتهم الواسعة هو ما صرح به وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف حين قال إن الجيش العربي السوري وحده يمكنه الوجود في الجنوب السوري ويجب سحب جميع القوات الموجودة هناك، لافروف أضاف: عندما نتكلم عن جميع القوات هذا يتضمن القوات الإيرانية وحزب الله.
التصريحات الروسية أوحت لضعفاء النفوس التشكيك بالدور الروسي بالقول: إن روسيا تلعب من تحت الطاولة ضد الوجود الإيراني في سورية في محاولة لمغازلة أميركا وإرغام سورية على التخلي عن الوجود العسكري الإيراني في سورية بهدف إرضاء العدو الإسرائيلي وجعله قابلاً للعودة إلى مبدأ فصل القوات على جبهة الجولان الذي كان قائماً منذ العام 1974.
ولمعرفة حقيقة الموقف الروسي اتصلت شخصياً بمسؤول دبلوماسي رفيع في الخارجية الروسية الذي تقبل استفساري بصدر رحب ورفدني بالمعلومات التالية:
نحن الروس لا نلعب من تحت الطاولة ولا نسعى لصفقات من وراء ظهر أحد، لأن ما نقوم به هو لمصلحة السوريين ولمصلحة الإيرانيين أيضاً خصوصاً بعد ورود معلومات موثقة من السفارة الروسية في الرياض التي بعثت بتقرير إلى الخارجية في موسكو يحتوي على معلومات تتطابق مع المعلومات التي حصلت عليها الأجهزة المختصة في روسيا، تفيد بأن السعوديين يؤكدون أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أبلغ السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان بأن دونالد ترامب يزمع توجيه ضربة وقائية إلى إيران، من هنا يجب علينا إدراك أن ما حصل حتى الآن هو الخراب الصغير ونحن في روسيا نسعى بكل ما أوتينا من قوة وطول أناة لكيلا تنتقل سورية وإيران والمنطقة برمتها إلى حال الخراب الكبير، لكن حين ننتزع بعض الأوراق من ترامب كأننا ننتزع بعض أسنانه.
يضيف المسؤول الروسي قائلاً: اطمئن إن التنسيق مع القيادة السورية قائم على قدم وساق في كل شاردة وواردة كما هو الحال مع القيادة الإيرانية، وأن الرئيس الإيراني حسن روحاني يستوعب ذلك وأيضاً محمد جواد ظريف، فالمطلوب من أصحاب الرؤوس الحامية في طهران أن ينكبوا على تعزيز دفاعاتهم الجوية والبحرية من دون أن ينزلقوا إلى البروباغندا والتحليل السخيف ونحن منذ البداية أبلغنا الإيرانيين وحزب الله بالأمر ونسقنا معهم، يضيف المسؤول الروسي.
الأولوية لدى موسكو حالياً ضبط الأرض السورية، المهم أن تلتقط الدولة السورية أنفاسها وأي محاولة لإشعال جبهة الجولان في الوقت الحالي هي هدية مجانية إلى (رئيس وزراء العدو) بنيامين نتنياهو وإذا نجحنا في تنظيف منطقة درعا بالقفازات لا بالقاذفات نكون قد حققنا الهدف الذهبي.
يختم الدبلوماسي الروسي قائلاً:
دعونا نراقص فيلاً في البيت الأبيض، فاللقاء بينه وبين بوتين هذا الصيف مؤكد، والإيرانيون يصغون جيداً، ولا أزمة ثقة بيننا.
عندما تعقد الخارجية السورية مؤتمراً صحفياً، فذلك يعني أن موقفاً سورياً بالغ الأهمية يراد الإعلان عنه، فكيف إذا كان رئيس الدبلوماسية السورية المحنك الوزير وليد المعلم هو صاحب إعلان الموقف السوري؟ إنها رسائل سورية بالغة الأهمية موجهة إلى جهات معينة لإفهام من يعنيه الأمر الموقف السوري الذي لا راد له.
ما جاء على لسان وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم يوم أمس قطع الشك باليقين وبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود:
– لا اتفاق بخصوص الجنوب السوري ما دام هناك وجود أميركي في قاعدة التنف بمعنى أن أي اتفاق يجب أن يشمل انسحاب القوات الأميركية غير الشرعية من الأرض السورية وهذا الأمر ينسحب على القوات المعتدية التركية والفرنسية في الشمال السوري.
– لا طلب من المستشارين الإيرانيين وحزب الله الانسحاب لأن هذا الوجود جاء بطلب وتنسيق مع الدولة السورية ولن تقدم سورية على خطوة من شأنها أن تطمئن العدو الإسرائيلي.
– إن القرار الأول والأخير هو للقيادة السورية فقط مهما صرح الروسي والأميركي ومهما كُتب من وحي وهم بعض المحللين.
– لا عودة لمبدأ فصل القوات الذي كان معمولاً به منذ 1974 ولو بلغ صراخ العدو وصراخ أميركا آخر مداه ولو طلب العدو من روسيا عودة قوات «أوندوف» للفصل في الجولان.
إن الانسحاب الأميركي من قاعدة التنف أصبح مسألة وقت وذلك خوفاً من ثورة بركان ينذر بقذف حممه التي ستصيب أول ما تصيب العدو الإسرائيلي وهذا بحد ذاته انتصار كبير للجمهورية العربية السورية ولمحور المقاومة.
نخلص للقول: إن التنسيق التام بين سورية وإيران وروسيا في أعلى درجاته وإن تحرير الجنوب السوري من الفصائل الإرهابية المتعاونة مع العدو الإسرائيلي هو قرار سيادي سوري، فإما إتمام تحرير الجنوب السوري وانسحاب الأميركيين وإما حمم البركان.