يجلس حسين جابر في المقهى المجاور لمنزله الكائن في بئر العبد، مرتشفاً قهوته وحاملاً "سيجارته" بيده الأخرى. يترقب ابن الـ24 عاماً اكتمال نصاب الجلسة، ليس للغوص في نقاش ما، بل لخوض معركة على هاتفه الذكي برفقة أصدقائه، ضد "أعداء" حقيقيين في كل أنحاء العالم، عبر لعبة الـPUBG.
يصل الأصدقاء، يتبادلون أطراف الحديث لمدة قصيرة لعدم تضييع وقت اللعب. يدخلون اللعبة، ويسبرون عبرها إلى عالم جديد، منعزلين تماماً عن كل ما هو محيط بهم. فما هو هذا الإدمان الجديد؟.
الـPUBG (Player Unknown's Battlegrounds)، هي لعبة صدرت في آذار من العام الماضي، قبل أن تأخذ رواجاً منذ ستة أشهر تقريباً في لبنان، ويصدر من بعدها العديد من الألعاب المماثلة لها، مثل "Free Fire" و"Fortnite" وغيرها من الألعاب.
وصل عدد المشتركين بهذه اللعبة حول العالم إلى عشرات الملايين، ويمكن اللعب وفق طريقتين، الأولى بشكل منفرد ضد أفراد أيضاً، أو ضمن فريق واحد يصل إلى أربعة أشخاص كحدٍّ أقصى، ضد فرق أخرى. تبدأ اللعبة بهبوط جميع المشتركين في المباراة (وعددهم 100 لاعب من كافة أنحاء العالم)، ويحددون منطقة هبوطهم، قبل أن تبدأ المعركة، ليفوز الناجي الأخير.
إدمانها كـ"السيجارة"
"أدرينالين مرتفع، حماس كبير، الفوز، هذا ما نبحث عنه. الإنسلاخ عن الواقع الممل، والذهاب إلى عالم أكثر إثارة". هكذا يصف جابر تجربته مع هذه اللعبة، لافتاً إلى أن "أول الطريق معها يكون اختياريا، أما نهايتها فليست بيدنا، لقد أصبحنا مدمنين كإدماننا على التدخين".
يعترف الشاب العشريني بخطورة المرحلة التي يمر بها، لكن يستدرك بالقول "هي فوعة نمر بها وسننساها كما نسينا الألعاب الأخرى التي أدمنّا عليها في مراهقتنا"، مضيفاً "الخطورة الكامنة فيها أنها متوفرة في جيبنا، أي في هاتفنا، وبالتالي يمكننا اللعب في أي وقت وأي مكان، حتى في مكان عملنا وهذا ما يجعلها أسهل للإدمان".
هروب من الواقع
من وجهة نظر علم النفس، فإن تعلّق الأطفال والمراهقين والشباب بهذه اللعبة أسبابها عديدة فمنها المجتمع والعائلة وغيرها من العوامل الموجودة في حياة كل شخص. ويقول المختص بعلم نفس العمل الاستاذ محمد بدرا، في حديث مع "النشرة"، ان "الثورة الالكترونية التي يعيشها العالم اليوم انسحبت بشكل تلقائي إلى كل مفاصل الحياة اليومية، ما أدى إلى بروز هذه الألعاب"، لافتاً إلى أن "غياب المساحات العامة التي تجمع الشباب، وتغيّر مفهوم تمضية الوقت والقراءة بين الأجيال، أدى إلى لجوء الشباب والمراهقين إلى ألعاب الفيديو".
ويعتبر بدرا أن "الألعاب وكل ظاهرة تمر بفترة ذهبيّة لها وتصبح المقصد الأول للجميع قبل أن يملّ منها الجميع"، موضحاً ان "الأفراد الذين يبقون أكثر من 38 ساعة على ألعاب الفيديو باتوا يعتبرون مدمنين".
وردا على سؤال، يشير بدرا إلى أن "بعض الأشخاص يعانون من مشكلة الإدمان بشكل وراثي وتناقلوه عبر الأجيال"، لافتاً إلى أن "المراهقين اليوم المدمنين على ألعاب الفيديو هم مدمنون على المادة، وعندما تتوفر مواد أخرى قد يكون المراهق أمام ادمان جديد، فالإنسان المدمن هو بحاجة لأي شيء مادي ليتعلق به"، مضيفاً "كما أن تزعزع العلاقة بين الأهل والطفل، تؤدي إلى هروبه من واقعه العائلي للجوء إلى العالم الافتراضي، ليبدأ يتعامل مع آلة لا تحكم عليه بسبب تصرفاته وتعطيه أشياء لا يحصل عليها في الحياة (كالسيطرة ونشوة الانتصار وتحقيق الانجازات والأهمية عندما يتنافس مع زملائه ويربح)، حينها تصبح اللعبة مصدر من مصادر اللذة وتصبح حالة ادمانية".
وعن الحلول لهذه الظاهرة وخصوصاً لدى الأطفال والمراهقين، يرى بدرا أن "المسؤولية تقع على عاتق الجميع، فمن ناحية الدولة، عليها ايجاد مساحات كبيرة للشباب لتمضية الوقت بالإضافة إلى بعض التعديلات في المناهج التربويّة. أما الأهل فعليهم اعتماد سياسة الترغيب والترهيب، فلا يُسمح له اللعب إلى لأوقات محددة وفي حال كان حسن التصرف في المنزل والمدرسة مثلاً، والنقطة الأهم هو احتضان الأطفال لعدم اللجوء لأي مكان آخر".
يلجأ العديد من الشباب في هذا الوطن إلى الهروب من واقعهم المرير، فنرى اللبناني إما في المقاهي ومراكز ألعاب الفيديو، وإما على أبواب الهجرة، أو يكون الانتحار وسيلته كما شاهدنا في الأيام الماضية. فلماذا يكون الهروب هو الوسيلة، ولا يبحث هؤلاء عن التغيير؟.