يُعدّ موضوع منح الجنسية اللبنانية لأجانب واحداً من الملفات التي تركت علامات سوداء في العهود السابقة، ففي عهد الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان وقّع مرسوم منح الجنسية لأجانب قبل أسابيع من إنتهاء ولايته الرئاسية يومها قامت الدنيا ولم تقعد، والسبب أن اللائحة كانت تتضمن متموّلين وغير مستحقّين للجنسية. اليوم "السيناريو" نفسه يتكرّر ليس في المرسوم بل في "الضجّة" حوله قبل معرفة محتواه ولكن المفارقة بين الامس واليوم تحويل هذا الملف الى الأمن العام للتحقيق فيه، علمًا أنه كان يجب أن يسلك هذا المسار قبل توقيعه وليس بعد.
بعد أن كشفت "النشرة" بتاريخ 30 أيّار من الشهر الماضي عن توقيع كلّ من وزير الداخليّة نهاد المشنوق ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ورئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون خبر صدور مرسوم منح الجنسية لعدد من الأشخاص يتراوح عددهم بين مئتي وثلاثمئة شخص، سادت "بلبلة" كبرى في الوسطين السياسي والشعبي خصوصاً وأن المرسوم أحيط "بالسريّة" ولم ينشر في الجريدة الرسمية، وهنا يبقى السؤال عن مدى قانونية هذه الخطوة وإمكانية الطعن فيها؟.
مرسوم نافذ!
"من الناحية القانونيّة اصدار مرسوم عادي يقضي بمنح الجنسيّة للأجانب هو من الصلاحيّات المحفوظة لرئيس الجمهورية وليس من جدل حول الموضوع". هذا ما يؤكده الخبير القانوني سعيد مالك، لافتا عبر "النشرة" الى أنه "يكون موقعاً من رئيس الحكومة ووزير الداخلية"، ومشيراً الى أنه "لو ذهب رئيس الجمهورية نحو نشر المرسوم في الجريدة الرسمية لكان خفّف الكثير من الضجيج حوله". أما الخبير الدستوري عادل يمين فيؤكد أن "المرسوم إسمي ولا يحتاج الى نشره في الجريدة الرسمية لنفاذه، وعملياً يبدو وجود تريثّ في التنفيذ في إطار التحقيقات التي يقوم بها الأمن العام ولكن لا نستطيع أن نقول إن هناك وقفاً للتنفيذ".
شروط الطعن
إذاً بدأ الامن العام بتحقيقاته حول الاسماء الواردة في المرسوم وفي حال تحقّق من أن هناك بعض الأشخاص ممن قد نالوا الجنسية من غير المستحقين ولم تتوافر فيهم الشروط أو أن المعلومات حولهم كانت خاطئة، فيمكن عندها وبحسب عادل يمين أن "تقوم الجهة التي أصدرت بالمرسوم باصدار آخر مضاد يتضمن الغاء جزئيا أو كلّيا للمرسوم، أو أن تطلب من مجلس شورى الدولة إبطال المرسوم". بدوره سعيد مالك يعتبر أن "الكرة في ملعب مجلس شورى الدولة في حال تقديم طعن في هذا الخصوص"، مشددا على أن "على المجلس أن يقوم أولا باصدار قرار بوقف تنفيذ المرسوم الى حين البتّ فيه نهائياً"، مشدداً على أن "التأخير بموضوع المراجعة أو الطعن يكسب أفراداً حقوقاً مكتسبة"، مضيفاً: "المرسوم صدر وأصبح نافذاً وبالتالي كلّ من يكتسب حقاً بالحصول على الجنسيّة استناداً الى هذا المرسوم يصبح صعباً نزع الجنسية عنه، من هنا يجب على مجلس شورى الدولة أولا إصدار قرار وقف تنفيذ المرسوم". يعود عادل يمين الى شروط تقديم الطعن والجهة التي يحق لها التقدم به، لافتا الى أنه "يجب البحث فيها وتختصر بثلاتة: الصفة، المصلحة القانونية، الضرر، ويجب أن تتوافر في مقدم الطعن حتى يتمّ قبوله شكلاً قبل البحث في الأساس ومدى قانونية المرسوم، وبناءً على ذلك فعلى الارجح أن من يعلنون نيّتهم التقدم بالطعن لا يملكون الصفة لذلك، ويبقى التقدير والقرار النهائي لمجلس شورى الدولة".
صدر مرسوم منح الجنسية بحسب المعنيين لدواع انسانية ولمصلحة عليا للبلد، ولكن وحتى إنجلاء حقيقة الاسماء الواردة فيه ستبقى الانظار متجهة الى تحقيقات الامن العام وما سينتج عنها، والى الخطوات التي سيقوم بها رئيس الجمهورية على ضوئها! فهل يتمّ العودة عن قرار التجنيس على غرار العودة عن المادة 49 الّتي اثارت الجدل أيضًا مخافة أن تحمل في طيّاتها توطينًا مقنّعًا؟!.