منذ ان تم تكليفه تشكيل الحكومة بعد الاستشارات النيابية الملزمة التي اجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لم يخرج رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ولو لمرة للحديث مع الاعلاميين، الا من باب التفاؤل. بداية، اقتصر الامر على الحديث عن تشكيل الحكومة، والتسهيلات التي يلاقيها في هذا المجال، وفيما اعتقد البعض ان زيارته الى السعودية ستغيّر شيئاً من المعادلة القائمة، بقي الحريري حتى بعد عودته من المملكة، على تفاؤله لا بل قام بتوسيع مروحة التحدث الايجابي ليتطرق الى مواضيع اخرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر الوضع الاقتصادي والتصدي للفساد وحتى ترسيم الحدود...
هذا النمط التفاؤلي المفرط، اثار تساؤلات لدى البعض، وتحفظات لدى البعض الآخر، فهل في المسألة ما يبررها، ام ان الحريري يقوم بعملية "تمويه" لتمرير المرحلة والوصول الى الحكومة العتيدة المرتقب ان تعالج مسائل دقيقة وبالغة التعقيد في ظل التطورات المحلية والدولية التي تفرض نفسها على الساحة؟ لا يمكن الجزم بأي جواب على هذا السؤال، ولكن فإن مسار الاوضاع وطبيعة المهمة التي يتولاها الحريري ونتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، كلها تشير الى انه متفائل بالفعل، رغم ان النسبة تبقى مرتفعة نوعاً ما.
فالمنطق يفرض على اي رئيس حكومة مكلّف ان يعكس اجواء ايجابية وتفاؤلية تحيط بعملية التشكيل، وهذا ما قام به كل رئيس مكلّف سبقه، ولكن المعطيات تشير ايضاً الى وجود نية فعلية لدى الاحزاب والتيارات الرئيسية في عدم وضع العراقيل، ولعل التحرك الذي يقوم به "حزب الله" وما يتردد ان الحريري سمعه في الرياض من تقبّل للتشكيل ومشاركة جميع الاطراف اللبنانية فيه، اضافة الى تخفيف الشروط الاميركية التي كانت موضوعة على "كوتا" معيّنة لمعارضي "حزب الله" في الحكومة، كلها تصبّ في منحى اضفاء الايجابية على اجواء رئيس الحكومة المكلّف، ناهيك عن عدم حصول ضغوط سياسية وشعبية عليه في هذا المجال.
الامر الآخر الذي يبرر كلام الحريري، هو وجوب طمأنة قاعدته الشعبية بعد نتائج الانتخابات الاخيرة، وما قام به من حملة لتنظيف البيت الداخلي لـ"تيار المستقبل"، اذ من المهم جداً ان يتحدث بلغة هادئة وايجابية للتشديد على انه بعيد عن اي ضغوط، وانه يمسك بزمام الامور السياسية دون ان يتأثر بأي معطيات او تطورات، وهذا من شأنه تثبيت شعبيته وتماهيه مع المواقف السياسية الايجابية التي تحيط به.
اما التفاؤل في ما خص ترسيم الحدود الجنوبية، فيرده البعض الى "تطمينات" حصل عليها الحريري من اوروبا وفرنسا تحديداً وبموافقة اميركية على ان التصعيد العسكري في لبنان لا يزال ممنوعاً، والحرص الدولي على ابقاء الوضع على ما هو عليه من ناحية الاستقرار لا يزال ثابتاً، كما ان اسرائيل لن تكون في وارد التصعيد في هذا المجال، لانها ترغب في انجاح المساعي للوصول الى حل يرضي الطرفين اللبناني والاسرائيلي، عبر المقترحات الاميركية التي كان مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد نقلها في تحركه المكوكي في المنطقة، والتي سيتولى تسويقها من بعده خليفته ديفيد شينكر، وهو على عكس ما يعتقد البعض، لن يقوم بنسف ما تم التأسيس عليه في هذا المجال، بل تعزيزه ومحاولة تطبيقه في اسرع وقت ممكن.
كل هذه المعطيات تشير الى ان تفاؤل الحريري في محله، وان الحكومة ستبصر النور في وقت مقبول بعد حل بعض العقبات البسيطة التي تعترض تشكيلها، ولعل تخطي ازمة "مرسوم التجنيس" بالسرعة التي تم فيها، دليل على ان الامور تسير في اتجاه تخطي التصعيد وافساح المجال امام "التسويات" و"التوافق".