لا جديد ملموساً بعد تحت الشمس في ملف التأليف الحكومي على رغم من انّ الاوضاع الداخلية اقتصادياً ومالياً، وكذلك الاوضاع الاقليمية تفرض الاسراع في استيلاد الحكومة الجديدة، لأنّ تلك الاوضاع تنذر بمخاطر تستوجب الاستعداد لاستيعابها، أو على الاقل لمواجهتها بأقل مقدار ممكن من الخسائر.
تصوران يتجاذبان المعنيين بتأليف الحكومة الجديدة ومختلف القوى السياسية التي ستشارك او ستُمثّل فيها او لن تمثّل:
• التصور الاول: تحديد حجم الحكومة من حيث عدد وزرائها وتمثيل القوى السياسية فيها على أساس «النظام النسبي» الذي أُجريت الانتخابات النيابية في 6 أيار الماضي الماضي، وأخذ نتائج هذه الانتخابات في الاعتبار لتمثيل الجميع وزارياً، بحيث تمثّل كل كتلة نيابية تضم 4 نواب بوزير واحد، وفي هذه الحال ينبغي ان تتكوّن الحكومة من 32 وزيراً (32× 4 = 128).
• التصور الثاني: إعتماد الاسلوب التقليدي في تأليف الحكومة السابقة منذ التوصّل الى «اتفاق الطائف» عموماً والحكومات التي تمّ تأليفها منذ انتخابات 2005 خصوصاً، حيث غالباً ما كانت تشكيلاتها الوزارية تشكّل نتاج توافقات سياسية، بعضها كان يقضي بأن تعطي الاكثرية ما سمّي «الثلث المعطل» او «الثلث الضامن» للأقلية السياسية.
لم يرسُ النقاش ولا المشاورات الجارية في الكواليس او علناً بعد على قرار باعتماد أيّ من هذين التصورين، والبعض يقول انّ المعنيين بالتأليف «مربكون او مرتبكون في آن معاً»، خصوصاً في ظل السقوف العالية لمطالب الكتل والقوى السياسية من حيث عدد المقاعد الوزارية ونوعية الوزارات التي يريدونها، وهذه السقوف التي لم تنخفض بعد هي التي تعوق حتى الآن ولادة الحكومة وقد تؤخرها لوقت طويل، خصوصاً انّ بعض الافرقاء السياسيين بدأوا يمارسون «ترفاً وزهداً» ويرددون «انّ تأخر الولادة الحكومية لا يضير في شيء، خصوصاً ان ليس في البلاد فراغاً حكومياً قاتلاً، فهناك حكومة تصرّف الاعمال ولا احد يعوق مهتمها الى حين الاتفاق على الحكومة العتيدة».
فكرة تأليف حكومة تضم 32 وزيراً، نشأت من رغبة رئيس الجمهورية الايفاء بوعده للاقليات المسيحية بتمثيلها بوزير في الحكومة، وهذا لا يمكن حصوله الّا بتمثيل الاقليات الاسلامية في المقابل بوزير أيضاً. المسيحيون الاقلويون لا يمثّلون دوماً في الحكومات، وعندما يمثلون انما يكون الامر في الغالب مخرجاً لأزمة تمثيل او «محاصصة» تنشأ بين الاكثريين. امّا الاقلويون المسلمون فالمقصود بهم الطائفة العلوية التي لا تملك سوى مقعدين نيابيين فقط في لبنان الشمالي (أحدهما في طرابلس والآخر في عكار). فحكومة من 32 وزيراً ستكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين (16 وزيراً مسيحياً مقابل 16 وزيراً مسلماً) وفي هذه الحال ستوزّع على الطوائف كالآتي:
اولاً، المسيحيون:
• الموارنة 6 وزراء، الارثوذكس 4 وزراء، الروم الكاثوليك 3 وزراء، الارمن وزيران، الاقليات وزير واحد.
• ثانياً، المسلمون:
• الشيعة 6 وزراء، السنة 6 وزراء، الدروز 3 وزراء، العلويون وزير واحد.
وما يدور في الكواليس حتى الآن هو انّ رئيس الجمهورية متحمّس بقوة لتمثيل الاقليات، فيما الرئيس المكلف ما زال يفضّل ان تكون الحكومة ثلاثينية، وأنه إذا كان المطلوب تمثيل الاقليات المسيحية فيمكن تمثيلها في هذه الثلاثينية.
ولا تقف مشكلات التأليف عند حدود مطالب الافرقاء السياسيين والطوائف فقط، بل تتجاوزها الى داخل كل فريق وكل طائفة. فمسيحياً يبدو التنافس كبيراً على الحصص والتوزير بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» القوتين المسيحيتين الكبيرتين، حيث انهما يريدان «بالتكافل والتضامن»، إذا أمكن، وبالتنافس إذا انعدم «التكافل» الاستحواذ على غالبية المقاعد والحقائب الوزارية المخصصة للمسيحيين.
ولذلك، التنافس بينهما يكاد يتحول خلافاً على حصة كل منهما، فـ«القوات» تريد 4 مقاعد وزارية وحقيبة سيادية، أو اقله حقيبة اساسية، مثل وزارة الصحة التي تتولاها الآن فضلاً عن إبقاء منصب نائب رئيس مجلس الوزراء من حصتها، وترى انه إذا اعتُمِد وتمّ التمثيل الوزاري على اساس النظام النسبي فإنه يحقّ لها 4 وزراء (15 الى 16 نائباً)، في حين انّ «التيار» يعتبر انه لا يحق لها إلا 3 فقط.
ويبدو انه يريد الاستحواذ على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء بعد ان استحوذ على مركز نائب رئيس مجلس النواب الذي فاز به النائب ايلي الفرزلي.
والى ذلك هناك تيار «المردة» مع حلفائه وحزب الكتائب، فضلاً عن نواب مسيحيين مستقلين يريدون ان يشملوا بـ»نعمة» التمثيل الوزاري، ما يعني انه لا يمكن «التيار» و»القوات» الاستحواذ على التمثيل المسيحي كاملاً وبمفردهما، خصوصاً أنّ عديد النواب المسيحيين لا يقتصر عليهما فقط وانما يتعداهما الى كتل نيابية اخرى تطالب بتمثيلها، خصوصاً انّ بعضها يضمّ نواباً مسلمين ومسيحيين من مثل كتلة «الوسط المستقل» برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وكتلة «التنمية والتحرير» وغيرها.
وفيما ليس هناك ايّ عقد استيزار في التمثيل الشيعي حيث انّ حركة «امل» و»حزب الله» تقاسما هذا التمثيل مناصفة (ثلاثة وزراء لكل منهما ووزارة سيادية لـ«أمل» ووزارة خدماتية أساسية لـ«الحزب»)، وذلك لكونهما فازا بكل المقاعد النيابية الشيعية، فإنّ تركيزهما في هذا الصدد هو على ضمان تمثيل حلفائهما من المسيحيين والمسلمين، باستثناء «التيار الوطني الحر» الذي ليس في حاجة الى تدخّل اي فريق في توزيره، كونه يعمل للاستحواذ على اكثرية المقاعد الوزارية، المسيحية، فضلاً عن اندفاعه في اتجاه ضمان ان يكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية قد تكون مسيحية بحتة او تتضمن ايضاً وزيرين مسلمين أحدهما سني والآخر شيعي، في وقت تعارض قوى سياسية ان يكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية وترى فيها تكراراً لخرق تعرّض له «اتفاق الطائف» وللدستور في عهود رئاسية سابقة.
إذ انّ الدستور المنبثق من «الطائف» لا يعطي لرئيس الجمهورية حق امتلاك كتلة وزارية او نيابية إنما يجعله حَكَماً بين الجميع لا طرفاً في اي شأن هو من اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية، فهو له صلاحية ترؤس جلسات مجلس الوزراء ولكن من دون ان يحق له التصويت على اي قرار فيها.
على انّ الحريري ليس في أحسن حال من الآخرين على مستوى التأليف والتمثيل، إذ يرى بعض السياسيين أنه قد يواجه ازمة او عقبة لدى تحديد حصة تياره وحلفائه في الحكومة، ستنتج من وجود عشرة نواب من الطائفة السنية لا ينتمون الى تيار «المستقبل» نصفهم صقور والنصف الآخر حمائم. فالصقور يريدون تمثيلهم بوزير، وهم النواب: عبد الرحيم مراد، وليد سكرية، قاسم هاشم، اسامة سعد، جهاد الصمد. اما الحمائم فيريدون ايضاً تمثيلهم بوزير، وهم: الرئيس نجيب ميقاتي، فيصل كرامي، فؤاد مخزومي، عدنان طرابلسي، بلال عبدالله.
وفي اعتقاد هؤلاء السياسيين انّ هناك عقداً تواجه التأليف، منها السياسي ومنها الطائفي ومنها المذهبي ومنها المركّب، ولكن مدى صعوبة حل هذه العقد مرهونة بالقاعدة التي ستعتمد لتأليف الحكومة، هل ستكون على اساس النظام النسبي أخذاً بنتائج الانتخابات النيابية؟ أم ستكون على اساس الطريقة التقليدية المعتمدة على التوافقات والتسويات؟... تلك هي المسألة أو «بيت القصيد».